"ليبانون ديبايت"- فادي عيد

عندما يخيب أي أمل بهدنة وشيكة على جبهة غزة، تكثر التوقعات وتتعدّد السيناريوهات حول مسار المواجهات على الجبهة في جنوب لبنان، فيما ترتفع لهجة التهديدات الإسرائيلية للبنان، خصوصاً على إيقاع ما كشف عنه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب، عن أن إسرائيل "غير مهتمّة" بوقف النار في جبهة الجنوب.

وعلى الرغم من مجموعة التحليلات التي تستبعد سيناريو التصعيد في الجنوب، فإن الحرب لا تزال غير محتملة إلى اليوم، وهو ما يكرّره في كل محطة، طرفا الجبهة، وما تؤكده المظلّة الدولية وتحديداً الأميركية، التي تمنع انفلاش المواجهات العسكرية، أو على الأقل تغيير قواعد الإشتباك التي تختلف لدى الطرفين.

وعلى هامش التصعيد المتجدِّد في الساعات الـ48 الماضية، يمكن أن يعود الحديث مجدداً عن تكرار إسرائيل استدراج الولايات المتحدة الأميركية إلى مسرح الحرب في المنطقة، إنطلاقاً من قطاع غزة والضفة الغربية، إلى لبنان، حتى أن بعض الخبراء لا ينكر أنه مع دخول الحرب في غزة مرحلة الحسم، ولو من دون اتفاق، يرتفع منسوب الخطر على جبهة لبنان، خصوصاً وأن بنيامين نتنياهو لن يتردّد في توسيع رقعة الحرب، في سياق بحثه الدائم عن نصرٍ يحقّقه بعد "الطوفان".

إلاّ أن هذا "الطموح" باستدراج واشنطن إلى الحرب، أو إلى إفساح المجال أمام تصعيد من نوع آخر في جنوب لبنان، لا يزال يصطدم بممانعة لدى الإدارة الأميركية التي انخرطت اليوم، وبشكل فعلي، في السباق الإنتخابي، مع المناظرة ما بين الرئيس دونالد ترامب والمرشّحة الديمقراطية كامالا هاريس.

قد لا يكون منطقياً اليوم، ومع اتساع شرارة النار من الضفة باتجاه الأردن بعد حادثة "جسر الملك حسين" أو معبر "الكرامة"، أي حديثٍ عن تهدئة بعد اليوم على الجبهة الجنوبية، وإن كان المسار السياسي على محور الإستحقاق الرئاسي يتقدم، كلامياً، في اللحظة الراهنة.

فطبيعة المواجهات في الضفة بعد غزة، فرضت معادلةً عسكرية مختلفة في الجنوب، ذلك أن إصرار نتنياهو على إشعال الحرائق في الضفة وعلى الساحة الأردنية، وتصعيده الأخير ضد جنوب لبنان، يخفي في طياته ما يشبه التواطؤ بين إسرائيل وواشنطن، حيث أنه في الوقت الذي تتحدث فيه الديبلوماسية الأميركية عن ضرورة التهدئة من الجانب اللبناني للجبهة، يواصل نتنياهو اعتداءاته على أكثر من محور مشتعل في المنطقة.

ومن ضمن هذا السياق، وعلى المستوى الميداني، يبدو واضحاً أن الحماوة التي عادت إلى الجبهة الجنوبية بعد هدوء حذر سادها، على أثر ردّ "حزب الله" على اغتيال القيادي فيه فؤاد شكر في الضاحية، قد بدأت تشي بتحوّلٍ في الموقفين الإسرائيلي والأميركي. فإسرائيل التي تسعى إلى توظيف أي عملية وبشكلٍ خاص بالأمس عملية "الكرامة" بالأمس، تسعى إلى استفزاز الأطراف العربية من جهة، وإلى استدراج واشنطن من جهة أخرى، من أجل خلط الأوراق وزرع العراقيل أمام أي اتفاق تهدئة في غزة.

وانطلاقاً من هذه المعطيات، فإن الخلاصة الموضوعية للمسار الذي سلكته التطورات الأخيرة ومدى انعكاسها على جبهة لبنان، التي يضعها الخبراء المتابعون، تشير إلى زوال أي خطوط حمر أمام نتنياهو، وإلى افتقار واشنطن لأي آلية ضغط تؤمن الهدنة في حال استحال التوصل إلى اتفاق على وقف الحرب، وإلى بقاء جبهة جنوب لبنان، أسيرة التطورات في إسرائيل حيث الركون إلى سيناريو الحرب، يبقى البديل الوحيد لدى نتنياهو، المدرك أنه مع حلول الهدنة، سيكون عليه مواجهة الداخل والإجابة على إخفاقاته وعلى حروبه.