"ليبانون ديبايت" - محمد المدني

مشهد يجدر التوقف عنده حصل في الإستشارات النيابية الملزمة أمس، وهو أن جميع الكتل المسيحية ألقت بنفسها في أحضان رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وراحت تغازله وتقدم الوعود بالوقوف إلى جانبه لإنجاح عهده.

من المهم أن يعمل الجميع على إنجاح عهد الجنرال عون لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين، لكن أن تتصرف القوى المسيحية وكأنها حمامة سلام أو كأننا فاقدي الذاكرة، ف"يسمحولنا فيها."

البداية من رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الذي لم يترك فرصةً إلاّ وانقضّ فيها على جوزاف عون، في قيادة الجيش ولاحقاً في الرئاسة، ووصفه بأقسى الكلمات واعتبره خائناً للأمانة ومرتكباً، عمل على عدم التمديد له مرتين في قيادة الجيش، وحاك المؤامرات لمنعه من الوصول إلى الرئاسة، حتى أن باسيل نفسه وفي فترة الراحة بين الدورة الإنتخابية الأولى والثانية لانتخاب رئيس الجمهورية، حاول جاهداً تمرير انتخاب اللواء إلياس البيسري بـ 65 صوتاً، فقط ليمنع وصول جوزاف عون.

أطل باسيل بالأمس على اللبنانيين معلناً أنه مع "العهد" وأشاد بخطاب قسم الرئيس الذي تحدث عن حصرية السلاح بيد الدولة، بينما باسيل نفسه كان الغطاء المسيحي لسلاح "حزب الله" على مدار 15 سنة.

"القوات اللبنانية" اعتبرت فوز جوزاف عون برئاسة الجمهورية إنتصاراً لها مع العلم أنها وافقت على تأييده قبل يومين فقط من جلسة الإنتخاب وبضغط من الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، وقد أعلن رئيس "القوات" سمير جعجع بنفسه أنه بعث برسالة عبر النائب ملحم رياشي إلى الرئيس نبيه بري قبل أسبوع من موعد الجلسة وعرض عليه الإختيار بين اسمين هما جهاد أزعور وزياد حايك.

حزب "الكتائب"، اعتبر أن الفضل له في إيصال جوزاف عون إلى الرئاسة، لكن الحقيقة أن عون لم يكن خيار الكتائب المفضّل، والمشاورات الرئاسية داخل المعارضة ومع باقي الأفرقاء تشهد بأن المرشح الأبرز للكتائب كان جهاد أزعور.

يدرك الرئيسان "المنتخب والمكلّف" كل تلك الحقائق ورغم حاجتهما للتعاون مع الكتل النيابية إلاّ انهما غير مستعدّين للخضوع لمنطق الإبتزاز والمحاصصة التي اعتاد عليها بعض القيّمين على الأحزاب الحالية وهما يستفيدان من زخم دولي وتأييد شعبي واسع يسمح لهما بفرض شروطهما على القوى السياسية بدل أن يخضعا لمنطقها، وقد تجد الكثير من الكتل نفسها عند التأليف مرغمةً للسير بمركب الثقة للحكومة كما جرى مع كتلتي الثنائي الشيعي، عندما ذهبتا وإن مكرهتين إلى خيار الرئيس جوزاف عون وهما تستعدان الآن لابتلاع كأس نواف سلام المرّ بعد أن تدخلا بحوار معه يبدّد مخاوفهما وهواجسهما الكثيرة.