Beirut
10°
|
Homepage
هذا انا جورج نادر.. معركة نهر البارد: نعشق الحرب، نتقن القتال - الحلقة الخامسة والعشرون
المصدر: ليبانون ديبايت | الاثنين 11 نيسان 2016 - 9:46

ليبانون ديبايت - الحلقة الخامسة والعشرون من مذكرات العميد الركن المتقاعد جورج نادر

أحبّ أن أروي حادثة حصلت:

خلال تقدّم إحدى السرايا على محور "الأونروا"، إستخدمنا جرّافة D9 من فوج الهندسة، مصفّحة ومدعّمة بأكياس الرمل لحماية السائق، وذلك لفتح الطرقات التي تغمرها الردميات والركام، اصيبت الجرّافة بقذيفة آر بي جي، فأصيب سائقُها إصابةً طفيفة، قفز منها، وبقيت الجرّافة في منتصف الطريق ، تتعرّض لنيران المسلّحين، ولا من يعرف من العسكريين كيفية قيادتها.


تقدّم أحد العسكريين: "أنا سيدنا بشيل الجرّافة."
مجنّد ممدّدة خدماته، أشقر الشعر، ملامح وجهه محبّبة، وعيناه تشعّان بالثقة بالنفس .
"أكيد أنت بتعرف تسوقا."
"أكيد سيدنا."
توجّهت لآمر السرية: "أمّنولو حماية"، (أي إفتحوا النار على مراكز المسلّحين كي يتمكن المجنّد من قيادة الجرّافة ) . وهكذا كان، تمكّن المجنّد "علي الوهم" من قيادة الجرّافة وإنقاذها ..
"عملّو أربع إيام ماذونيي مكافأة" . أربعة ايام ؟ كأنها شهر كامل بالنسبة إلى ظروف القتال في المخيّم. سأل المجنّد "الوهم" أمين سر الفوج: " يعني كم مرّا بنام بالبيت ؟" وحسب الأيام عدّاً على اصابعه:

" بتنام وبتقوم بالبيت أربع مرّات وبعدين بتجي ع المخيّم ..." .
عند عودته من مأذونيته أتى إلي مباشرة :
"سيدنا بدي اتطوّع بالجيش" (كونه مجنّد ممدّدة خدماته التي ستنتهي بعد فترة.)
"ما تعتل هم بتتطوّع ما في مشكل."
"بس أنا مجوّز وعندي ولاد." ( يُحظّر بحسب القانون تطويع المتأهلين.)

"لو كان عندك عرّ ولاد بدّي طوّعك" .. طار فرحاً وصرت كلّما هاجمت سريته هدفاً، كان يتعمّد رؤيتي وبالطبع كنت اسأل عنه دائماً وألاحظ إندفاعه لحدود التهوّر.
مسؤولية القائد في المعركة تتضاعف، ومصداقيته وقيمته العسكرية على المحكّ. إن فشل مهمّة الوحدة يتحمّله قائدها، أما النجاح ف "يقطفه" عناصر الوحدة كافة. كنت أحسّ بالمسؤولية العظمى الملقاة على عاتقي: أرواح العسكريين .. ونجاح مهمّة الفوج. وكيف استطيع التوفيق بين تحقيق الأهداف العسكرية والحفاظ على أرواح العسكريين .
أكاديمياً، ووفق العلوم العسكرية، هناك خسائر محسوبة ومنطقية، فالقتال ينتج عنه إصابات في الأرواح، وتلك الخسائر تُحسب نسبتها بحسب انواع القتال: في الهجوم ترتفع نسبة الخسائر خصوصاً إذا كان العدوّ في مراكز محصّنة، ويحترف القتال والتفخيخ والقنص وله الخبرة القتالية في العراق وافغانستان وسواها . كنت حريصاً على نجاح المهمة وبالوقت عينه ضنيناً بأرواح العسكريين الذين كنت أنظر إليهم بعين القائد والأب معاً، ولا أزال أذكر الملازم جوزيف خوري ( الذي إلتحق إختيارياً بالفوج وهوحالياً برتبة نقيب وآمر السرية الأولى في الفوج المجوقل ) وهو بعمر إبني البكر، ويشبهه شكلاً، كنت كلما أعطيت أمراً لسريته بمهاجمة أهدافها أُقيّم الأمر من النواحي كافة وأسأل نفسي: لو أن إبني مكانه، وقائد فوجه ضابط آخر، هل كنت أرضى عن الأمر الذي يعطيه إذا كان هو ذاته الأمر الذي أعطيه أنا ؟( كنت أقيّم الأوامر كافة وأخُضعها للتحليل المنطقي بإيجابياتها وسلبياتها ونتائجها المرتقبة ).

إستشهاد أي من العسكريين كان كأن قطعة مني إنتُزعت، وأضع نفسي مكان ذويه، وعندما كنت اقوم بواجب التعزية، لم أكن أرى في عيني الأهل إلا الفخر والإعتزاز ممزوجان بالحزن الكبير، وهذا ما كان يعطيني ألأمل والدعم المعنوي.
صعوبة التقدّم في "شوارع" المخيّم نتجت عن أمرين:

- ضيق الطرقات والممرّات وطبيعة الأبنية المتلاصقة والجدران المشتركة بينها، بحيث كنّا نحتلّ المنزل ونعبر منه مباشرةً إلى المنازل ألأخرى .
الرمايات المدفعية التي سبّبت الركام والردميات بالإضافة إلى تفخيخ المباني من قبل المسلحين وتدميرها، ممّا سدّ المنافذ بحيث كنّا نستعين بجرّافات فوج الهندسة وفوج الأشغال لفتح الممرّات.

يحضرني نكتة أطلقها أحد العسكريين الظرفاء:

بعد إحتلال أحد المنازل وجدنا برّداً ضخما ً في أحد غرفه فسأل أحدهم ممازحاً : "كيف قدرو وصّلو هالبرّاد لهون ؟ " و "الطريق" التي تصل إلى المنزل هي أضيق من حجم البرّاد، وابواب المنزل ضيّقة هي أيضاً، فردّ الآخر : " جابو البرّاد بالأول وبعدين عمّرو البيت " ..هكذا كانت النكتة حاضرةً دائماً حتى في اصعب وأدقّ الظروف .
لم أعد اذكر بأي تاريخ إتصل بي رئيس فرع الأمن العسكري العقيد عصام عبدالله، طالباً إبعاد العريف "خالد العلي" عن جبهة نهر البارد، ووضعه في الخطوط الخلفية، كون شقيقه إستشهد في فترة سابقة في المخيّم.

إستدعيته ونقلت له الأمر:
"أول شي بعزّيك يا خالد، بس مش لازم نخسرك أنت كمان، رح حطّك بسرية القيادة والخدمة ( السرية اللوجستية ) ".
" سيدنا، إزا بتشيلني من سريتي بفلّ من الجيش" أجاب بعنفوان وعزّة نفس .. ولكي "لا أكسر معنوياته" قلت له:

"طيب ، بتبقى بالسريي بس ورا، حراسة الخازن." ( كان من عداد سرية الدعم في الفوج )
"ليش أنا قصّرت بشي ؟ حدا خبّرك أني تراجعت أو جبّنت ؟"
"لا أبداً ، بس هيدي أوامر القيادي ولأنو عندك خي شهيد."
في اليوم التالي، كانت سريته تهاجم الأهداف المحدّدة لها، ولاحظت وجود أحد العناصر يتحاشى رؤيتي، أو يحاول أن لا أرى وجهه .. إنه العريف خالد العلي:
"سيدنا ، الله الحامي ، بدي أبقى مع رفقاتي أو بفلّ ...."

من هذا العريف الشجاع وأمثاله ، كنت أستمدّ الشجاعة والمثابرة و" العضّ " على الجراح .. وأتابع .
أذكر في خلال مهاجمة مجموعة بنايات، تلقيت إفادة من آمر السرية الثالثة الرائد جان نهرا ( حالياً قائد الفوج المجوقل وهو برتبة عقيد ركن ) :
" سيدنا أنا أنصبت .."
صدمت لسماعي هذه الإفادة وهممت أن اذهب في إتجاه هجوم سريته، لكن العقيد الطبيب خليل الحلو ، الرفيق الدائم قال لي بهدوء :
" شو باك عصّبت، ما دام قلك أنو هوي منصاب، يعني واعي وما بو شي بتكون إصابتو طفيفي ."

وهكذا كان ، إصابة من رشاش ب ك ث عيار 62،7 ملم في صدره ناحية القلب، لكن الدرع الواقي الذي كان يرتديه، منع الرصاصة من إختراقه بالرغم من المسافة القريبة التي أطلقت منها النار، لكنها إخترقت جهاز الهاتف الخليوي الذي كان يعلّقه على درعه، ومعظم الدرع، وقوة الصدمة دفعته بقوة إلى الخلف وأوقعته أرضاً .."
اذكر أنه عندما زارني في ثكنة الفوج في غوسطا السيد ميلاد جبور أحد المتبرعين الرئيسيين بشراء دروع واقية وخوذ حديدية للوحدات المقاتلة في نهر البارد، أريته الرصاصة وجهاز الهاتف وكيف أن الدرع الواقي أنقذ حياة الرائد ، فقال :

" هيدي أحسن خبريي سمعتا، أنو عملت شي وساهمت أني خلّصت حياة حدا .."

كم هو راق وكريم النفس ورفيع الأخلاق هذا الرجل.

(في الحلقة المقبلة المقاتل الشجاع لا يتخلّى عن إنسانيته)
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"لا أخاف منه"... أورتاغوس بعد لقائها عون: حزب الله لن يكون في الحكومة (فيديو) 9 من قصر بعبدا إلى مواقع التواصل: خاتم نجمة داوود يثير الغضب! (صورة) 5 "قبل أن يغادر موقعه"...الكشف عن كواليس عملية اغتيال نصر الله! 1
"تلتقط موجات الـ بيجر"... تفاصيل جديدة في قضية التجسس لصالح إسرائيل 10 هذيان طارق متري 6 بعد انفجار أسلحة لحزب الله... هاليفي يقيل ضباطاً في الجيش 2
معدّات... اختفت 11 تكديس سلاح! 7 رواية إخراج "حزب الله" من الحكومة 3
"منبوذ وليس منتصر"... الحسيني يوضح حقيقة عرقلة تشكيل الحكومة 12 "وصلت اللقمة إلى الفم"... السيد يكشف سبب تأجيل تشكيل الحكومة 8 الأحداث تتسارع على الحدود اللبنانية السورية... وتصعيد جديد! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر