Beirut
11°
|
Homepage
حكومة تخريب العهد!
عبدالله قمح | المصدر: ليبانون ديبايت | الجمعة 31 كانون الثاني 2025 - 11:10

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

ليست وزارة المال "المعزاية السوداء" التي تعرقل وتمنع إلى اليوم، تأليف حكومة العهد الأولى ولا "النزاع" حولها مع الثنائي الشيعي. هناك أشياء أخرى أشد فتكاً، وفيها حقائب تشكل مبتدأ العرقلة وخبره، كما في استمرار غياب الحل الأمثل لتركيب التوازنات داخل مجلس الوزراء، دون أن ننسى تدخلات ذوي القربى. في هذه الحالة، تكاد تكون "المال" الشمّاعة التي يُراد بها إخفاء الأسباب الحقيقية لتعقّد التأليف.

لندخل في صلب الموضوع. إختار رئيس مجلس النواب نبيه بري لوزارة المال النائب السابق ياسين جابر، الذي تعاون بري معه طيلة 24 عاماً كاملة، قضاها متنقلاً بين مجلسي النواب والوزراء. يعلم بري أن جابر الحائز على الجنسية الأميركية يتمتع بعلاقة أكثر من جيدة مع واشنطن ومع شخصيات في الكونغرس الأميركي وغيره، وقد سبق لبري أن كلفه إدارة ومناقشة ملفات لبنانية حساسة عديدة مع الأميركيين، وكان بالنسبة إليه رجل ثقة كما بالنسبة إليهم أيضاً.


من هذا المنطلق، يعلم بري جيداً أن خياره في وزارة المال لن يلقى معارضة تُذكر من واشنطن ويكاد يكون الأمر محل رضى من جانبهم، تماماً كما أعلنوا رضاهم في ما مضى عن تكليف وسيم منصوري حاكمية مصرف لبنان. ولو لمس بري اعتراضات جدية ما كان رشّحه أصلاً. بالتالي بري يعلم والآخرون كذلك بمن فيهم الرئيس المكلّف، أن العقدة المزعومة حول توزير جابر ليست خارجية، ربطاً بما سبق، إنما داخلية، ومرتبطة بأشياء تحتل عقول وأدمغة بعض المرضى من المحيطين بالرئيس المكلف نواف سلام وأيضاً بعض المستشارين، الذي اخترعوا فجأة عنواناً ومعياراً إسمه "رفض دخول الحزبيين مجلس الوزراء"، وذهبوا محاولين تطبيقه بالزعرنة والبلطجة السياسية، متجاهلين أن الحياة السياسية اللبنانية قائمة بنسبة كبيرة على الأحزاب، عداك عن مجلس النواب المخوّل منح الحكومة الثقة، والمشكّل من حزبيين.

وعلى ما يبدو، فإن هذا الفصيل القريب من الرئيس سلام، لا يقصد بالضرورة التصويب على وزارة المال، إنما يوشك أن يكون مصوّباً على تمثيل الثنائي ككل، وإن دقّقنا لقاربنا الجزم من أنه لا يريد تمثيلاً واضحاً أو حتى مستتراً ل"حزب الله" داخل الحكومة، وعلى الأغلب لا يريد هذا الفريق إشراك الحزب بالحكومة من الأساس، ولو استطاع لكان أخرج المكوّن الشيعي كلياً!

من جهة ثانية نفس العقلية ولو بنسبة أقلّ تُمارس مع الآخرين. نفس المحيطين بسلام أقنعوه بعدم منح وزراء من حصة السنّة إلى الكتل النيابية السنّية، لا سيما أولئك المصنّفين سابقاً حلفاء للنظام السوري السابق، وأيضاً تيار "المستقبل"، وأقنعوه أن بوسعه ضمّهم إلى كتلته الناشئة المدعومة بكتلة نيابية وازنة، وفي ما بعد جمعهم إلى كتلة رئيس الجمهورية، فيصبحان صاحبي القوة الأوسع تأثيراً داخل الحكومة. التعاطي السنّي بهذه الطريقة، تسبّب بحالة امتعاض كبيرة لم تقف عن المستوى السياسي (عند كتلتي الإعتدال والتوافق) بل تسللت إلى الشق الديني حيث كانت، في الشمال والبقاع تحديداً، خطب الجمعة ذات سقف عالٍ ولا بدّ للرئيس المكلف من مراجعة كل حرفٍ ورد فيها.

مسيحياً الأمور ليست أفضل. في بال الرئيس المكلّف إدخال "القوات اللبنانية" إلى الحكومة بحقائب درجة ثانية، وكأنه يقول لهم "خذوا" لقاء الأصوات التي منحتموني إياها. عونياً الوضع ليس أفضل وإن كان النائب جبران باسيل يتذاكى في محاولة "تربيح الجميلة" من كيس سلام واللفّ والدوران، محاولاً وضع العقدة في معراب وليس عنده. وفي حالة التدقيق يمكن العثور على أسباب ودوافع للإنفجار مسيحياً أكثر منها شيعياً.

يقول متابع لملف تأليف الحكومة، إن النزاع المسيحي – المسيحي في التأليف يكاد يكون الصاعق الذي بإمكانه تعطيل المحاولات الجارية لتأليف الحكومة، وإدخالنا في أزمة حكم حقيقية، تطيح بكل الزخم الذي واكب انتخاب الرئيس جوزاف عون وتكليف القاضي نواف سلام، ملخصاً ما يجري بما أسماها "حصة رئيس الجمهورية" التي باتت، من وجهة نظره، تعقّد مسألة التأليف برمتها!

من الواضح أن رئاسة الجمهورية سبق أن وضعت استراتيجيةً، وقد سبق لفخامة الرئيس أن ألمح إليها في لقاءات كثيرة، ترتبط بالقبض على مجموعة حقائب أساسية: الدفاع، العدل، وحقيبة ذات بعد إقتصادي (المالية أو الإقتصاد)، من خلال توزير مقرّبين منه بالإتفاق مع رئيس الحكومة المكلف. هذا المسعى على ما يبدو، يرتبط بالإمساك بالملفات الأمنية، القضائية والمالية، كونها الباب الذي ينجح من خلاله أي عهد بتكريس نفسه أو عملياً تحقيق إنجازات.

وثمة حديث أن السعي وراء إبقاء العرف سائداً في وزارة الدفاع لجهة بقائها ضمن حصة الرئيس، نابع من رغبة رئيس الجمهورية في خلق سلسلة غير مسبوقة تتولى إدارة الجيش تحت إشرافه، حيث سيوزّر محسوباً عليه في وزارة الدفاع، ويعمل على تعيين قائد للجيش من عندياته، وهكذا يكون قد أمسك الجيش وأخرجه من السياق القديم في التضارب بالصلاحيات بين الوزير والقائد. نفس الأمر يُراد تكريسه في العدلية، حيث يبدأ التغيير من وزارة العدل نزولاً إلى مجلس القضاء الأعلى وجرّ، حيث تكون التشكيلات في خدمة العهد، وكذا في المسائل المالية وأيضاً التعيينات ذات الطابع الأمني التي لن تكون خارج "البروتوكول المعتمد".

إذاً بات واضحاً أنه وحين ذُكر بصراحة أن البرنامج الحالي للعهد يقوم على إجراء إصلاحات وتغييرات وهندسات عميقة بالتنسيق مع الخارج، فإن ما يراد تحقيقه لا يمر إطلاقاً من خارج بقاء هذه الحقائب عند الآخرين. وهنا تتجلى بكل وضوح العقد الحقيقية.

عملياً، يقول المصدر المتابع لتأليف الحكومة: العقد وإن ظهرت على هذا الشكل، لكن يمكن العبور عنها عبر تأمين مجموعة تنازلات وتفاهمات ضمن إتفاق معين. القضية المعقدة تبقى في كيفية التئام مجلس الوزراء لاحقاً، والذي يظهر منذ الآن أنه ذات طبيعة مفككة سياسياً وتقنياً وطبعاً لاستراتيجية التأليف والمعيار المعتمد لا الأسماء، لا يبدو متجانساً، وكل ما يجري يحمل بوادر وقوع الصدام لاحقاً، بين القوى التقليدية وتلك الناشئة، ولن تجد الأحزاب مفراً من التحالف والتعاضد في ما بينها حفاظاً على مكتسباتها.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"ملايين الدولارات إلى حزب الله... وإسرائيل تهدد بضرب مطار بيروت"! 9 نصيحة إلى اللبنانيين... إستثمروا في "الملاذ الآمن"! 5 إسقاط الملاحقة عن 8 ضباط بتهمة الإثراء غير المشروع... والتباس حول قانونية القرار! 1
تحقيق سري وواسع في الجيش 10 "من تهريب النفط إلى الوزارة"... نعيم يكشف تاريخ "مرشح الثنائي"! 6 "ملثمون ومسلحون".. إشكال ضمن البيت الواحد أم فتنة طائفية ومذهبية؟ 2
محاولة سلب وإطلاق نار... جريمةٌ تهزّ الأشرفية! (فيديو) 11 فاجعة تهزّ الضنية... المهندس "الطيب" يرحل تاركًا حسرة في القلوب! 7 حقيقة وصول طائرة إيرانية غير مدرجة على الجدول إلى المطار 3
احمد الاسير يرفض المثول امام قاضية لانها "إمرأة" 12 قرار من سلام بتعديل وزن ربطة "الخبز الأبيض" 8 فيديو اللحظة الأخيرة... تفاصيل مقتل موميكا "حارق القرآن" بالرصاص 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر