"ليبانون ديبايت" - فادي عيد

في الوقت الذي تتسارع فيه التحركات الدولية من أجل وقف الإنزلاق على الجبهة المشتعلة في جنوب لبنان إلى ساحة اشتباك إقليمي، تضيع معها حدود لبنان بفعل الحرب الشاملة التي تهدّد بها إسرائيل، تبدو الزيارة غير الرسمية لأمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، وكأنها فسحة هدوء والتقاط أنفاس بين الحملات والإتهامات والتصعيد المستمر منذ الثامن من تشرين الأول الماضي على الحدود الجنوبية.

لقاءات معلنة وأخرى غير معلنة سيبرز فيها الإجتماع الموسّع للقادة الروحيين في لبنان مع الرجل الثاني في الفاتيكان، وذلك في الصرح البطريركي في بكركي، وهذه اللقاءات ستكون الأهم في هذه الزيارة لأن البعض منها قد يكون بعيداً عن الإعلام، وستشكّل مفاجأة للذين رحّلوا الإستحقاق الرئاسي إلى مواعيد مجهولة، بعدما ربطوا ما بين الفراغ والحرب.
وبالحديث عن العنوان السياسي للزيارة الرعوية، فإنها ستحضر في اللقاءات غير الرسمية التي لم تعلن عنها السفارة البابوية.

وحول ما إذا كان سيتطرّق الكاردينال بارولين إلى الملف الرئاسي، يشير مصدر كنسي رفيع ل"ليبانون ديبايت"، إلى أن الملف الرئاسي حاضر بقوة في روزنامة الكاردينال بارولين وفي لقاءاته في بيروت، كما في الفاتيكان، مع كل الأطراف المؤثّرة، لا سيما وأنه ليس بعيداً عما هو حاصل في لبنان على مستوى الطوائف المسيحية، وما يواجهه أبناء هذه الطائفة من تحديات في لحظة بالغة الدقة والخطورة، حيث تراجع الحديث عن الشغور في قصر بعبدا، وعن خطر النزوح السوري الذي بات وجودياً، واليوم أضيف إلى هذين الملفين ملف الحرب التي بات شبحها حاضراً بقوة داخلياً وإقليمياً.

إلا أن التعويل على أولويات الفاتيكان في لبنان، يتابع المصدر الكنسي الرفيع، والتي تذهب مباشرة إلى الواقع المسيحي لجهة الإنقسامات بين المسيحيين، وبالتالي إمكان قيام الكاردينال بارولين بجمع الأقطاب المسيحيين على طاولة واحدة، لم يُسحَب من برنامج الزائر الفاتيكاني الذي يتحرك وفق دوافع تأخذ في الإعتبار كل تفاصيل المشهد اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً، فالبديل عن اجتماع المسيحيين هو استمرار الشغور الرئاسي، ووقوع الوجود المسيحي في المجهول إنطلاقاً من تحويل الشغور الرئاسي إلى أمر واقع يعتاد عليه الجميع في الداخل كما في الخارج، وهنا الأمر الخطير، إذ أن بقاء المسيحيين خارج "لوحة" الحكم، يعني تراجع دورهم واضمحلاله إن لم نقل أفول هذا الوجود المسيحي كما حصل في بلدان كثيرة مجاورة.

وفي هذا السياق، تلتقي صرخة البطريرك بشارة الراعي بوجه محاولات تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، مع مساعي الكرسي الرسولي والتي لا ترتدي طابع المبادرة الفاتيكانية، بأنها، وكما يقول المصدر الكنسي الرفيع، تأتي جراء المخاوف من الخطر المحيط بلبنان، والذي دفع الفاتيكان إلى التواصل مع واشنطن كما باريس للإحاطة بالوضع اللبناني، والبحث في سبل حل الأزمات السياسية والإجتماعية.

أيام قليلة سيقضيها الكاردينال بارولين في لبنان يحضر خلالها نشاطاً إجتماعياً في مركز "فرسان مالطا" في عين الرمانة، كما سيزور مركز الجمعية في فاريا، وينتقل إلى بكركي حيث يمضي يوماً كاملاً يتخلّله مأدبة غداء، ثم يوماً من الإستقبالات في السفارة البابوية، وبذلك، يكون قد جال وعاين واستمع ولمس لمس اليد الواقع اللبناني المنهار والمهترئ بكل تفاصيله، على أن تكون له كلمة معبّرة تحمل خلاصة ما عايشه ومضامين الرسائل التي وصلته من أكثر من مصدر، والشهادات التي سينقلها كلها معه إلى الحبر الأعظم في مواكبة ميدانية ومباشرة، تضاف إلى التقارير التي تصل إلى الفاتيكان، وكان آخرها تقرير الموفد الفرنسي جان إيف لودريان.