Beirut
11°
|
Homepage
هذا أن جورج نادر.. هكذا أفشل السوريون احتلال الجيش للمجلس الحربي - الحلقة العاشرة
المصدر: ليبانون ديبايت | الاربعاء 17 شباط 2016 - 7:20

ليبانون ديبايت - الحلقة العاشرة من مذكرات العميد الركن المتقاعد جورج نادر

مرحلة جديدة بانت ملامحها بعد تولي قائد الجيش مسؤولية الحكومة العسكرية التي شكلها الرئيس أمين الجميّل قبل ربع ساعة من إنتهاء ولايته الدستورية، وهي تتألف من أعضاء المجلس العسكري الذين أُسنِدت إليهم الوزارات كافة.

بعد أيام معدودات من إعلان الحكومة العسكرية، "إجتياح " مدبّر للمناطق التي كانت محسوبة على الرئيس الجميّل من قبل ميليشيا القوات بقيادة "سمير جعجع"، وتوتّر في "الغربية" حيث تشبّث "حلفاء سوريا" بحكومة الرئيس "سليم الحص"، مقابل حكومة العماد عون في "الشرقية"، حيث عيّنت حكومة الرئيس الحص اللواء "سامي الخطيب" قائداً للجيش، فأصبح للجيش "قائدان" وللوطن حكومتان، ورئاسة الجمهورية شاغرة مما زاد الإنقسام الطائفي حدّة، فكان المشهد السياسي العسكري كالآتي:


شريط حدودي يحتّله جيش العدو الإسرائيلي يعاونه ميليشيا "أنطوان لحد"، ويمتدّ من الحدود مع فلسطين المحتلّة حتى قرى شرق صيدا.
باقي مناطق الجنوب تقع تحت سيطرة المقاومة الإسلامية المتمثّلة بـ "حزب الله ".
بيروت "الغربية" والبقاع والشمال وقسم من جبل لبنان يرزح تحت ثقل الإحتلال السوري.
المخيّمات الفلسطينية في الجنوب والبقاع والشمال تسيطر عليها منظمات فلسطينية مختلفة يتوزّع ولاؤها بين سوريا ومصر والسعودية والعراق.
بيروت " الشرقية " من جسر المدفون شمالاً حتى كفرشيما جنوباً يسيطر عليها الجيش، ينازعه السيطرة ميليشيا القوات اللبنانية.

في هذا الواقع المأزوم والجغرافيا المقطّعة الأوصال، توزّعت وحدات الجيش: بعضها يخضع لقيادة العماد عون وهي التي تتمركز في "الشرقية" ، والبعض الآخر يأتمر باللواء الخطيب وتتمركز خارج سيطرة الجيش في المنطقة المسمّاة غربية.

الحادثة الأولى التي أعقبت قيام الحكومة العسكرية كانت الإشتباك مع ميليشيا القوات اللبنانية في 14 شباط من العام 1989 . إشتباكات توقّفت تحت ضغط القيادات الدينية والسياسية أعقبها "حرب التحرير" بعد شهر واحد: 14 آذار 1989.

هذه الحرب أُعلِنت من قبل العماد عون بعد قيام المدفعية السورية بقصف مناطق سيطرة الجيش ووزارة الدفاع بالأخص، وذلك بشكل مفاجىء، ولا أخالني أفشي سرّاً إذا رويت ما حدث قبل ذلك التاريخ:

كانت سريتي وسرية بسام جرجي تتمركزان في معسكر أدما والقرى المحيطة، وكنّا بسام وأنا لم نذهب بمأذونية منذ تاريخ الإشتباك في 14 شباط الذي مضى ، وذلك بسبب "تنبيه" من مديرية المخابرات في الجيش بعدم التجوّل لأن جهاز أمن القوات قد إتخذ قراراً بتصفيتنا بسبب كوننا منعنا إنتقال قوافل المسلحين بين جبيل والمتن، وكون المعركة معهم أسفرت عن مقتل ثلاثة عناصر وتدمير ملالة على مفرق "غزير"، كما لم نرضخ مع ضباط الفوج كافة ، للمغريات المادية ، ولا للتهديدات التي كانت تصلنا عبر أشخاص أو بواسطة الهاتف، بالقتل أو بالإعتداء على الأهل والأقارب.

بعد وقف إطلاق النار مع القوات ونجاح الوساطات التي قادتها "بكركي" و "الرابطة المارونية" تأزّم الوضع السياسي ومن ثم العسكري ، فقرّرت قيادة الجيش السيطرة على المعاقل الرئيسية للقوات ووضعت خطّة لذلك، وكان دور "مجموعة أدما" قطع الطريق فقط بين جبيل وكسروان ومنع الإمدادات القواتية إلى بيروت والمتن.

عشية الهجوم المقرّر، وحفاظاً على سرية الإتصالات بالهاتف أو بأجهزة الموتورولا "المخروقة"، أتى قائد الفوج المقدم جهاد شاهين إلى أدما برفقة الملازم أول بسام عيسى آمر سرية الدعم في الفوج، ليعطينا التعليمات ويحدّد مهمتنا: قطع الطريق فقط ومنع الإمدادات ونحن (أي باقي قوى الفوج ووحدات أخرى من الجيش) نحتلّ المجلس الحربي وثكنات "ضبيه". التنفيذ فجر الغد..

سهرنا طيلة الليل بسام وضبّاطه: الملازمون الأول جوزيف عون، سامي الحويك وسليمان سمعان، أنا وضباطي الملازمين الأولين يوسف الحصني ومنصور دياب، نخطّط لمهمّة الغد، إستنفرنا السريتين، الآليات، السلاح، الذخائر وأجهزة الإتصال وأوامر الإشارة، كلَ يعرف مهمته غيباً.

فجر 14 آذار 1989 ، سمعنا القذائف تتساقط في بيروت، ولم نكن ندرك أين تسقط ومن هي الجهة التي ترمي.

" يا الله يا بسام ت نقطع الطريق، بلّشت الرمايات."
"بعد ما عطا الأمر المقدّم، ما سمعتو شو قال نطرو أمر منّي؟"
وكان بسام في تروّيه وهدوئه على حقّ، إذ عندما تأمن الإتصال مع قيادة الفوج أمر القائد: "ما تعملو شي أبداً وبكرا بخبركن" وهكذا كان.

لماذا عدلت قيادة الجيش عن مخطّط الهجوم؟
في المبدأ، المخطّط الموضوع كان سرياً، لكنّ التنسيق مع " قيادة" اللواء الخطيب بأن طلب إليهم إفتعال معارك من جهة الشمال ( حاجز المدفون ومحيطه ) مع ميليشيا القوات لإلهائها بغية تخفيف زجّ القوى في مواجهة الجيش، هذا "التنسيق" أدّى إلى إفشاء الخطّة، وتكفّلت مدفعية الإحتلال السوري بـ "القضاء" على هذه الخطّة بقصف وزارة الدفاع، وبالتالي "صرف النظر" عن إحتلال مراكز ثقل القوات في الكرنتينا وضبيه ، وقيام "حرب التحرير" من الإحتلال السوري، التي أعلنها قائد الجيش ورئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون. حرب كانت نتيجتها تدمير البنية التحتية للجيش وأحكام "إغلاق" مناطق سيطرة الجيش فكان الخروج منها للعسكريين ضرباً من الجنون، لكن هل يستطيع العسكريون البقاء لشهور بعيدين عن عائلاتهم وذويهم حيث كان يصلهم ( إلى الأهل ) أخبار القتل والتدمير، ينتظرون شاشات التلفزيون ليعرفوا هل تحمل نشرة الأخبار أخبار سوء؟

المنفذ الوحيد المنطقة "الشرقية" كان مرفأ جونيه البحري ، الذي وبواسطته كانت ترسو البواخر التي تنقل الحاجات الحيوية لتلك المنطقة، إذ أن مرفأ بيروت كان مضروباً بالنيران المباشرة وأُوقف إستخدامه.

كان العسكريون يذهبون بـ "مأذونيات" غير عادية وغير منتظمة للإطمئنان على ذويهم وعائلاتهم: الذهاب والإياب باللباس المدني بالطبع، والسؤآل الذي كان يُطرح دائما من قبل جنود الإحتلال السوري على الحواجز:
"أنت عسكري ولاه.. مو؟"

لذا كنّا "نسمح" للعسكريين القاطنين خارج مناطق سيطرة الجيش ب "إرسال" اللحى، وعدم "قصّ" الشعر أقلّه قبل أسبوعين أو ثلاث من موعد المأذونية المنتظر كي لا يلفت منظر اللحية والشعر الطويل نظر جنود الإحتلال. وبالرغم من ذلك كانوا، وللتأكّد من "عسكرية" المارّين يطلبون خلع الحذاء، يراقبون "بطّة" الأرجل، فإذا كانت منتفخة عند الوسط، يكون صاحبها "عسكريا" لأن إنتعال حذاء "الرنجر" لمدّة طويلة، يجعل من الساق منتفخةً عند الوسط جرّاء شدّ الحذاء للرجل لمدة طويلة.

طريقة أخرى إبتدعها جنود الإحتلال لتمييز العسكريين المارين على حواجزهم:
المواطن اللبناني ينادي الجندي "يا وطن" ولهذه المناداة وقعَ جميل وعذب، كأني به يختصر الوطن كله ببزّة الجيش، وهذا مدعاة فخر وإعتزازا.

كان جنود الإحتلال يجمعون ركاب السيارات حيث يشكّون بوجود عسكريين، وينادون: يا وطن، فالراكب الذي يدير رأسه ويلتفت تجاه الصوت، أو يجيب، عفوياً، يكون عسكرياً. والعسكري الذي يتأكّدون من هويته، كانوا إما يُلحِقونه بالقوة بالوحدات التي تأتمر بقيادة اللواء الخطيب، وإمّا إلى سجونهم وذلك بحسب "الذنب" الذي إقترفه، والذنوب كانت القتال إلى جانب وحدات الجيش.

نعم، هذا بعض مما عاناه جنودنا، فكأن القتال على الجبهات، والبعد عن عائلاتهم، لا يكفي، وإذا تجرّأوا وخاطروا، كانت "عبقريات" جنود الإحتلال تكتشف هوياتهم وتجبرهم على الإلتحاق بالوحدات التي تتبع لقيادة اللواء الخطيب، أو "يُلحقون" بسجون الإحتلال في عنجر ومن ثم في سوريا، والبعض منهم إتقطعت أخباره أو لا يزال حياً في تلك السجون.. ألله وأعلم.

في الحلقة القادمة حرب التحرير تابع والعمليات البطولية المنفذة من قبل القوات الخاصة في الجيش اللبناني وخسارة الأحبة.)
ابتداء من الاشبوع المقبل ترقبوا حلقتين من مذكرات العميد جورج نادر كل يوم اثنين وخميس
دورة المغاوير عام ١٩٨٦ تمرين هبوط
من اليمين الملازم أول جورج صعب ضابط الادارة
من اليمين: الملازم اول شامل روكز، الملازم اول شارل بشواتي من الكتيبة ١٠٤، صديق بلجيكي Peter Venderleenen والملازم اول بسام جرجي
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
لقاء بين "الرجل الكبير" في حزب الله ومرشحة ترامب لرئاسة المخابرات! 9 ضابط لبناني شجاع يزلزل أمن تل أبيب.. الجيش الإسرائيلي يعلن الحرب على الجيش اللبناني! 5 سعر الدولار تخطّى الـ 90 ألف ليرة... بداية تفلّت حقيقي أم تذبذب مؤقت؟ 1
ثانية واحدة تفصلنا عن النهاية: ساعة القيامة تتحرك نحو منتصف الليل! 10 بديل هوكشتاين... يهودية برتبة ضابط أمن 6 أمام الوفد النسائي... الشرع يرحب بزوجته: وحدة ما في غيرها! 2
"اليونيفيل" تضغط على القضاء لإطلاق سراح "عميل" 11 عن دهم الجيش لِمخازن أسلحة في الضاحية... مصدر عسكري يوضح! 7 قرار لـ "ترامب" يقلق اللبنانيين... هل يحمل تداعيات خطيرة؟! 3
بري يكشف موعد إكتمال تأليف الحكومة 12 بعد "التراجع المفاجئ"... نواف سلام يغيّر "اللعبة"! 8 "لتحرير لبنان من حزب الله"... رسالة أميركية إلى عون وسلام! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر