Beirut
12°
|
Homepage
هذا انا جورج نادر.. ذكريات المغاوير: منها الأليمة وأخرى رائعة - الحلقة الثامنة
المصدر: ليبانون ديبايت | الاربعاء 03 شباط 2016 - 1:11

ليبانون ديبايت - الحلقة الثامنة من مذكرات العميد الركن المتقاعد جورج نادر

الحياة العسكرية في ثكنة "غسان رمان " (1) التابعة لفوج المغاوير، لا تشبه أي مكان آخر، فهي ليست رتيبة مملّة. الفوج هو إحتياط القيادة، يقتضي بقاؤه في وضع الجهوز الدائم: العناصر، الآليات، السلاح والذخائر الموضّبة في الملالات والمصفّحات، إرادة القتال المتوثّبة عند العسكريين وضباطهم جعلت من الفوج خلية تدريبية دائمة: دورات تنشئة مغوار، رماة على المصفّحات، سائقو الملالات، سدنة أسلحة الدعم من هواوين 120 ملم و 81 ملم ومدافع 106 ملم، التدريب الإجمالي للسرايا.. ألخ

الإلفة بين الضباط شملت عائلاتهم أيضاً، قائد الفوج المقدّم "جهاد شاهين" مغوار من الرعيل الأول (١٩٨٦ ـ ١٩٩١)، يغتنم أيام الهدوء النسبي على الجبهات ويدعو الضباط وعائلاتهم إلى العشاء في مطعم خارج محيط الثكنة، توطّدت أواصر الصداقة حتى بين العسكريين فكان الفرد للمجموع والمجموع للفرد.. عصبية القطعة والزهو والفخر بالإنتماء إلى وحدات النخبة.


خلال الأعوام 1984 وحتى 1988 كانت جبهة سوق الغرب وضهر الوحش يحميها لواء مؤلل يتناوب على الإنتشار فيها الألوية: الخامس والثامن والعاشر، ووُضِعت سرية مغاوير في سوق الغرب إحتياط الجبهة.

أحبّ ان أروي إحدى الطرائف التي جرت للإشارة إلى ثقة وحدات الجيش والعسكريين من أية قطعة، بوحدات المغاوير:

كانت إحدى السرايا من فوج المغاوير إحتياط جبهة سوق الغرب، وكان صديقي بسام جرجي ضابط الخدمة في السرية، واللواء الثامن ينتشر على طول الجبهة حتى ضهر الوحش، قضيت ليلة "في ضيافة بسام"، كانت ليلة هادئة نسبياً.

"قوم ت نعمل جولة ع الخفراء" قالها بسام، أجبته: أي خفراء ما أنت إحتياط! أجاب: "نحنا الإحتياط ولازم نكون نعرف كل شي بالجبهة".

على تلة الثلاث ثمانات (المرتفع 888) المواجهة للمسلحين، ثلاثة خفراء للواء الثامن قرب مركز الفصيلة، وصلنا بسام وأنا وبعض المرافقين ولم نسمع صوت الخفير ينذرنا بالوقوف، إقتربنا بحذر فإذا خفيرين يغطّان في نومهما :

"قوم ولاه كيف نايم هون وأنت الخفير؟" فنظر الخفير في الظلام ولم يتبيّن له الوجوه ولا الأصوات وإعتقد أننا من رفاقه في المركز فأجاب متثاقلاً:
"روح، روح نام يا حبيبي منك عارف انو في معنا مغاوير؟"

كنّا "نركّب مقالب" لبعضنا البعض، ضابط الإدارة الملازم اول "جورج صعب" من أظرف الضباط وأقربهم إلى القلب، كنا نستلف منه المال ليعود في آخر الشهر فيحسمه من الراتب، وخلال الأزمة الإقتصادية المتأتية من إنخفاض سعر صرف الليرة وبالتالي إزدياد الحاجة، ما من ضابط في الفوج إلا وإستلف مرتين أو ثلاثة اضعاف راتبه وكان "صعب دايماً بيزبطها" إلا لما أرسل بسام جرجي سائقه إلى جورج صعب ليستلف على راتبه خمسين ليرة؟

"قلو أنو ما بيحقلو يقبض ل بعد تلات شهور لأنو قابض معاشو سلف..."
لكن رصاصتان من بندقية بسام بإتجاه مكتب جورج صعب كانتا كافيتين لأن يتصل به ضابط الإدارة:
"أخت هالعصابة، تعا خود قد ما بدك بس كفّني شرّك".

أحد "المقالب المهضومة" دبّرته للصديق بسام الذي لم يوفّرني بمقالبه: كنا نتشارك المكتب ذاته، فإتصلت إحدى الفتيات طالبة التكلّم مع بسام، وأدركت أنها "صاحبته":
- ال Lieutenant جرجي مش هون أخد أبنو ع المستشفى"
- " مش معقول ما هوي مش مجوّز!"
- "يا عيني عم تعلميني ع رفيقي؟ عم قلك أخد أبنو ع المستشفى..."

بعد حوالي ساعة دخلت سيارة بسام المرسيدس 230 الخضراء اللون إلى الثكنة بسرعة هائلة والمسدّس في يده شاتماً متوعّداً: "صار لي شهرين بحاول ت زبطت وأنت خربتا بكلمتين يا أخو أل..." لكنه لم يستطع فشّ خلقه، إذ كنت عندما دخل الثكنة على هذه الحال غادرتها من الباب الآخر تحسّباً لردّة الفعل المرتقبة.

كنّا نشتري ثياب الرياضة والتزلّج بالتقسيط المريح جدّاُ من شركة unisport صاحبها جورج جلّاد، الذي كان له بذمّة كلّ منا ما يوازي ضعفي راتبه يستوفيها شهرياً.

شُكّل إلى الفوج الرائد فؤاد خوري مساعد قائد الفوج وهو من الضبّاط "اللي ما بيعتلو هم المصاري" كون أقربائه يرسلون له العون المادي اللازم من المهجر، يعرفنا جيّداً كونه كان أحد مدرّبينا في المدرسة الحربية. أُعجب بهندام الرياضة الذي نقتنيه:
"شو حلوين كتير هالتياب.. من وين جايبينن؟"
"من روميه، هون قريب، بتحبّ تروح تشوف؟"
في محل الرياضة إختار الرائد خوري عدة بزات للرياضة وعتاد التزلّج بأضعاف راتبه الشهري، فنظر صاحب المتجر ناحيتنا كأنه يقول لنا: "شو هودي كمان بالتقسيط؟"
"قديش بتريد؟" سأل الرائد صاحب المحل.
" 700 دولار ( على ما أذكر ) "
دفع نقداً المبلغ كاملاً.. تعجّب التاجر وقال: "شو صاير عليك حضرة الرائد أنا عم قسًط للشباب ع رياحتن دفاع متل ما بدّك ل شو تتديّن؟"
"شو، شو عم تقول؟ أنت ألك مصاري مع ضباط الفوج؟ قديش ألك معن؟"
عبثاً أقنعنا الرائد خوري أننا ندفع بالتقسيط للرجل الذي هو راضٍ أصلاً، لكنّه لم يرض إلا أن يدفع نقداً، كامل المستحقّات عن ضباط الفوج:
"الضابط ما بيتديّن مصاري؟"

معركة الدوار بين الجيش ومسلّحي الحزب السوري القومي الإجتماعي مدعومين من جيش الإحتلال السوري، أعقبت توقيع الإتفاق الثلاثي والإنقلاب عليه من قبل سمير جعجع مدعوماً من رئيس الجمهورية آنذاك الشيخ امين الجميّل (وقّعه كل من: نبيه بري رئيس حركة أمل، وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وإيلي جبيقة رئيس القوات اللبنانية). لواء المشاة التاسع هو المسؤول عن الجبهة، خُرِقت خطوطه في الدوّار وسقطت بعض مراكزه، فكُلِّف فوج المغاوير إستعادة المراكز الساقطة.

سريتي تنتشر لحماية مخازن ذخيرة الجيش في اللويزة، لم أستطِع تحريكها، إستُعيض عنها بفصيلة دبابات من اللواء الثامن لتأمين تقدّم سرية المغاوير الثالثة التي كُلِّفت الهجوم، تركت سريتي وعملت ضابط إرتباط بين دبابات " الثامن" والفوج.

إستُعيدت المراكز بسرعة لكن الثمن كان باهظاً، إستشهاد آمر السرية الملازم أول جورج النغيوي ومساعده الملازم إبراهيم بطرس، وسبعة عسكريين.كان ذلك في 16 كانون الثاني من العام 1986.

خسارة الرفاق موجعةَ حتى العظم، لكن الأكثر إيلاماً هو عدم التمكن من تكريم هؤلاء الشهداء في قراهم، كونهم يقطنون جميعاً خارج مناطق سيطرة الجيش، والقصة المحزنة تخص العريف الشهيد "محمود الغريب" من بلدة عكار العتيقة:
لا إتصالات مع المناطق النائية ولا وسيلة لإبلاغ ذويه إلا الرقيب "السحمراني" إبن بلدته، رافق وحيداً نعش الشهيد في سيارة الإسعاف مجتازاً حواجز جيش الإحتلال السوري والميليشيات التي كانت تفتّش العسكريين بدقّة وكل من تشتبه بإنتمائه إلى بزة الشرف، فكيف لنعوش الشهداء التي قتلها جيش الإحتلال؟

وصل الرقيب سحمراني بسيارة الإسعاف التي تحمل نعش الشهيد إلى مدخل بلدته:
"دخيلك روح خبر بيت الغريب انو ابنن محمود إستشهد والتابوت معي هون"
هكذا، وبهذه الطريقة المفاجئة والمؤلمة إستقبلت عائلة الغريب وعكار العتيقة بلدة الجيش والشهداء، جثمان إبنها الشهيد محمود الغريب.

والأصعب في مسيرة الإستشهاد ليس الموت بحدّ ذاته فحسب، بل إفتقاد الرفاق في كلّ لحظة صعبة، والرحيل الصامت دون وداع.

(في الحلقة القادمة استعادت معنويات فوج المغاوير في معركة ايلول ١٩٨٦ والتحدث عن الظروف المعيشية القاسية التي مرَّ بها الجيش اللبناني آنذاك، والتدابير الصارمة التي قام بها فوج المغاوير لحلّ هذه المعضلة.)

(1) الملازم غسان رمان من رفاق دورتي إستشهد في شباط 1984 في منطقة الشحار الغربي وكان من عداد فوج المغاوير، أطلق إسمه على ثكنة الفوج في رومية.
الملازم أول جورج نادر
تمرين سير في فوج المغاوير (١٩٨٦)
الملازم اول غسان رمان
المقدم جهاد شاهين
تدريب متواصل
أكل الافاعي
عيون السيمان في دروة تدريبية ١٩٨٦، يظهر الملازم اول بسام جرجي الى اليسار
خلال التدريب: انزال الجريح ، الملازم اول خليل الحلو (دور الجريح) من اليمين: الملازم اول شامل روكز وبسام جرجي (يسار)
القفز من الطوافة في الماء (قاعدة جونية البحرية - بسام جرجي الاول من اليسار)
الرائد مارون حتي، النقيب جورج شريم، النقيب انطوان بشارة والملازم أول غسان فاضل
شهداء معركة الدوار
لا تبكه فاليوم بدء حياته … ان الشهيد يعيش يوم مماته
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"مؤشر خطير يضرب لبنان"... عصابات منظمة وراء هذه العمليات 9 توقيف اثنتين من آل الأسد في مطار بيروت... ماذا في التفاصيل؟ 5 صيد ثمين للأمن العام في جبيل… وإجراءات فورية! 1
ارتفاع في أسعار المحروقات! 10 للمستفيدين من القرارين "158 و166"... تعميمٌ هام من مصرف لبنان! 6 ورقة نبيه بري المخفية 2
رسالة مطران من سوريا إلى جمهور حزب الله! 11 مطلوب للقضاء... "العربية": رفعت عيد فر من سوريا إلى لبنان 7 إستدرجها بطريقة ذكية... كيف خطّط مسعود لقتل عبير رحال؟ 3
منخفضان جويان متتاليان... إليكم طقس الـ Weekend! 12 خلال لقائه الوفد العراقي... "مسدس الشرع" يثير الجدل! (صور وفيديو) 8 وهاب يشنّ هجومًا لاذعًا على جنبلاط: "كن رجلاً لمرة واحدة في حياتك"! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر