Beirut
14°
|
Homepage
أول تواصل رسمي بين الحريري والشرع: إعادة الاعتبار للسفارة
عبدالله قمح | المصدر: ليبانون ديبايت | الاربعاء 19 شباط 2025 - 7:07

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

الدخول اليوم إلى حرم السفارة السورية في اليرزة يختلف تماماً عمّا كان عليه في السنوات الماضية. أعلام "الثورة"، التي كانت محظورة لسنوات، أصبحت شعاراً رسمياً للدولة وترفرف في كل مكان، حتى إن بعضها يبدو أنه استُحدِث مؤخراً، في محاولةٍ لإعطاء الزائر انطباعاً بأن "الدولة الجديدة موجودة"، ولفرض "هيبة" النظام الجديد، أو ربما لتذكير الزائر بأنه دخل عصراً جديداً.

ورغم أهمية هذا التطور في أبعاده السياسية، تعيش السفارة عزلة عميقة، إذ هناك من يتجاهل وجودها أو يتعمّد ذلك، وهو أمر لم يكن جديداً، بل كان يُمارس في السابق ويتكرس اليوم، على الرغم من سقوط النظام السابق والتغيير العميق الذي تشهده دمشق. حتى المعارضون السوريون الذين عاشوا في لبنان، واعتبروا في الماضي أن سفارة بلادهم "وكر محتل يجب تحريره"، هم اليوم أكثر المغتربين عنها، فيما لا يزال البعض يصرّ على اعتبارها "وديعة من ودائع النظام البائد".


هذه النظرة لا تقتصر على السوريين المقيمين في لبنان، سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية، بل تشمل أيضاً بعض اللبنانيين الذين ينادون بعلاقة "من دولة إلى دولة" مع سوريا، لكنهم في الوقت ذاته أول من تجاهل هذه الفكرة.

الصَرْح الواسع، الذي أُنشئ عند سفح تلة في اليرزة على الطراز الدمشقي القديم، يفتقر إلى الزيارات ذات الطابع السياسي أو حتى التواصل الاجتماعي من قبل الشخصيات اللبنانية وغيرها، ويكاد دور السفارة يقتصر على متابعة الملفات القنصلية والمشاركة في زيارات سياسية محدودة تحت راية "السلك الدبلوماسي العربي". والأسوأ من ذلك، أنها تفتقد إلى التمثيل الدبلوماسي الكامل، حيث ينوب عن السفير قائمٌ بالأعمال.

هذا الواقع استمرّ حتى بعد سقوط نظام آل الأسد، إلا أن رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري كسر هذا "البروتوكول"، وأرسل إلى دمشق، منذ يومين، عبر سفارتها في بيروت، برقية تهنئة للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، مباركاً توليه الحكم وانتصار الثورة، ومتمنياً له النجاح. ويبدو أن الحريري، الذي تصرف كرجل دولة، انتظر عودته إلى بيروت ليبادر إلى إرسال البرقية عبر القناة الدبلوماسية الرسمية، مكرّساً بذلك السفارة كممثل سياسي وشرعي وحيد، وممرٍّ إلزامي للعلاقة الطبيعية بين دمشق وبيروت. وبهذا، كان هذا أول تواصل رسمي بين الحريري والشرع، وكذلك أول استخدام رسمي لهذه الآلية من قبل شخصية سياسية لبنانية في التواصل مع دمشق.

من زاوية أخرى، لا يزال اللبنانيون، خصوصًا السياسيين، يتجاهلون وجود السفارة السورية في بلادهم. فجميع الوفود التي زارت دمشق، سواء تحت عنوان استئناف العلاقات، أو لعقد لقاءات سياسية، أو البحث عن فرص استثمارية، أو لتنسيق أمني وسياسي، لم تمر عبر السفارة، بل عبر القنوات الأمنية، رغم أنها الممثل الشرعي للعلاقة بين البلدين.

هذه العقدة قديمة، إذ بقيت العلاقة بين لبنان وسوريا، حتى بعد انتهاء الوصاية السورية على لبنان عام 2005، قائمة على الأبعاد الأمنية. يقول دبلوماسي سابق عمل في سفارة دمشق في بيروت، إن "الملحق الثقافي"، وهو عملياً الملحق العسكري، كان يستقبل شخصيات سياسية وحزبية وأمنية واجتماعية لبنانية تفوق بأشواط ما يستقبله السفير نفسه! حتى إن المفرزة الأمنية داخل السفارة تجاوزت حدود صلاحياتها، فتحولت إلى "وكر أمني" بامتياز، يراقب السفير وطاقم السفارة وكل زائر لها، وهو ما كان اللبنانيون يعرفونه جيداً ويتعاملون معه، وربما كان ذلك أحد أسباب زياراتهم.

ومع سقوط النظام في دمشق، لم تتغير هذه العقدة، بل ربما تعمّقت أكثر. فحتى اليوم، لا تزال العلاقة مع دمشق تمر عبر القنوات الأمنية. فمن يريد زيارة دمشق، سواء كان صحافياً أو سياسياً أو مسؤولاً رسمياً، ينسّق "أمنياً" مع الأمن العام السوري التابع لـ"هيئة تحرير الشام"، وليس مع السفارة، التي تكاد تكون آخر من يعلم.

لكن رغم هذا الواقع، هناك من يلقي باللوم على طاقم السفارة الحالي، متجاهلاً أن المشكلة الأساسية تكمن في طبيعة العلاقة بين البلدين، والتي ظلت أسيرة للبعد الأمني لعقود. وهكذا، يبقى منطق التشفّي مسيطراً، وهو يأخذ في طريقه أعواماً من العمل الدبلوماسي ومستقبلاً مهنياً وربما حتى حياة أشخاص، فيما بعض الأطراف السياسية في لبنان تخوض معركة تغيير شامل داخل سفارة دولة أجنبية، مانحةً نفسها حقاً تطالب الآخرين بعدم ممارسته.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
بالفيديو: مشاهد من مكان دفن أمين عام حزب الله 9 برج البراجنة تنجو من "كارثة"... ماذا حصل في ساعات الصباح؟ (فيديو) 5 المنخفض لم يتأخر... الثلوج ستغطي هذه المناطق في الـ"Weekend" 1
أحزاب لم تحسم مشاركتها في تشييع نصرالله... ماذا عن جنبلاط وباسيل؟ 10 فضيحةٌ قانونية في ملف رياض سلامة 6 رئيس الجمهورية لن يشارك في تشييع نصرالله... إليكم السبب! 2
قرار ينعكس إيجابًا على الإقتصاد... والأمر لن ينتهي هنا! 11 إقرار وتسليم؟ 7 "امتعاض" يخرج إلى العلن 3
في يوم تشييع نصر الله... دعوةٌ من "الإشتراكي" 12 بعد تقارير الإستعدادات لـ"جنازة البابا"... الحرس السويسري يرد! 8 بالفيديو: "إذا مش عاجبكم هاجروا"... هذا ما حصل في المطار! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر