Beirut
11°
|
Homepage
كفى ظلماً.. هل يرضى نواف سلام لنفسه ما يرتضيه للمسيحيين؟
ميشال قنبور | الاربعاء 29 كانون الثاني 2025 - 12:41

"ليبانون ديبايت" - ميشال قنبور

تتوالى محاولات تكريس أعراف سياسية تناقض الدستور اللبناني واتفاق الطائف، وكأن المسار الذي أُرسِي منذ التسعينات، إبّان هيمنة نظام الوصاية السورية، لا يزال مستمراً حتى اليوم. فما بدأ مع غازي كنعان ورستم غزالة من تهميش للمسيحيين واستباحة لحقوقهم السياسية، يتكرر اليوم بأدوات وأساليب مختلفة، لكن بالهدف نفسه: فرض واقع سياسي جديد يخلّ بالتوازن الوطني ويعيد إنتاج المعادلة نفسها التي لطالما سعى المسيحيون إلى تصحيحها.

وفي هذا السياق، تأتي ممارسات الرئيس المكلّف نواف سلام، التي لا تختلف في جوهرها عن النهج القائم منذ سنوات، حيث يسعى إلى الإبقاء على توزيع الحقائب الوزارية كما كان عليه في حكومة نجيب ميقاتي، متجاهلاً المطالبات المسيحية بضرورة إعادة التوازن، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى التزامه بالدستور وبمبدأ الشراكة الوطنية.


أكثر ما يثير الاستغراب هو أن التوزيع الوزاري الذي يسعى نواف سلام إلى تكريسه، لو طُبّق عليه شخصياً، لكان من أول المعترضين. فهل كان ليقبل باستبدال مقاعد المسلمين بالمقاعد المسيحية؟ أم أن ما يُفرض على المسيحيين يستثني الآخرين؟ اتفاق الطائف، الذي كرّس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، لم يكن محصوراً بالأرقام بل شمل أيضاً توزيع الحقائب الأساسية. فلا يمكن اعتبار وزارة الدفاع أو الخارجية، التي تُمنح للمسيحيين، معادلة لوزارة الداخلية التي تُعدّ الأكثر نفوذاً، أو وزارة المالية التي فُرضت للأبد كعرف للطائفة الشيعية، رغم أن الطائف لم يخصصها لأي جهة. فما المغزى من الإصرار على تثبيت بعض الوزارات لطوائف معينة، بينما يُطلب من المسيحيين التخلي عن مواقعهم في السلطة؟

المفارقة الكبرى أن اتفاق الطائف شدّد على مبدأ المداورة، إلا أن الواقع السياسي كرّس أعرافاً جديدة، جعلت وزارة المالية حكراً على الطائفة الشيعية ووزارة الداخلية حقاً مكتسباً للطائفة السنية، فيما تُركت الوزارات الأخرى لمداورة شكلية لا تُطبق إلا على المسيحيين. فكيف يُبرَّر الإصرار على التمسك بهذه الأعراف، بينما يتم الضغط على المسيحيين للتنازل عن حقائبهم السيادية؟

الإجحاف لا يقتصر على الوزارات السيادية، بل يمتد إلى الوزارات الخدماتية التي تُعدّ عصب العمل الحكومي. فوزارات الصحة، الأشغال، والتربية، تبقى في يد المسلمين، بينما تُخصص للمسيحيين وزارات العدل، الطاقة، والاتصالات، في توزيع واضح للحقائب الأكثر تأثيراً. فكيف يمكن الحديث عن مناصفة حقيقية، إذا كان ميزان التوزيع مختلاً منذ البداية؟

ولا يقتصر التهميش على التوزيع الطائفي فحسب، بل يتعداه إلى تغييب تمثيل القوى المسيحية الأساسية، وعلى رأسها حزب "القوات اللبنانية"، الذي حاز على نسبة تمثيلية واسعة في الانتخابات الأخيرة. فليس من المنطقي أن يستمر تهميش "القوات" وإسناد وزارات ثانوية لها، بينما تستأثر أطراف أخرى بحقائب سيادية وخدماتية رئيسية. وإذا كان لرئيس الجمهورية المسيحي حصة وزارية، فلا يجب أن تكون على حساب الحزب المسيحي الأقوى تمثيلاً، وإلا فإن الأمر يصبح تكريساً لنهج إقصائي واضح.

إن ما تنازل عنه الرئيس السابق ميشال عون لا يجوز أن يتحول إلى عرف ثابت في عهد الرئيس جوزاف عون، الذي تقع عليه مسؤولية حماية التوازن الوطني واحترام الدستور، وعدم السماح بفرض أعراف جديدة تخلّ بالصيغة اللبنانية. فاستمرار هذا النهج الإقصائي سيؤدي حتماً إلى تعطيل تشكيل الحكومة، وهو ما يبدو مقصوداً من قبل بعض الأطراف التي تسعى إلى فرض أمر واقع، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار البلاد.

ومع تعثّر المفاوضات الحكومية بسبب الإقصاء الواضح للمسيحيين، يبقى السؤال: هل يمكن أن تبصر الحكومة النور في ظل هذا النهج؟ أم أن المواجهة السياسية باتت الخيار الوحيد أمام القوى المسيحية لاستعادة دورها ووقف مسلسل التهميش المستمر؟ الأكيد أن الاستسلام لهذه المعادلة يعني تكريس واقع مختلّ، لن يكون من السهل تغييره لاحقاً. والمسؤولية اليوم تقع على عاتق رئيس الجمهورية، ورئيس حزب القوات اللبنانية، ورئيس التيار الوطني الحر، الذين يتحملون واجب الدفاع عن اتفاق الطائف وعدم السماح بإعادة إنتاج أعراف تخالف الدستور وتُفقد المسيحيين موقعهم في السلطة. فقبولهم بهكذا حكومة لن يكون سوى تكريس لواقع مرفوض، سيحاسبهم عليه التاريخ قبل الضمير.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"الطاقة" تحدد تسعيرة المولدات لشهر كانون الثاني 9 "مهزلة" أمام منزل نواف سلام 5 ضابط لبناني شجاع يزلزل أمن تل أبيب.. الجيش الإسرائيلي يعلن الحرب على الجيش اللبناني! 1
رسالة أميركية قلبت الموازين حكومياً... ماذا حصل مساء الثلاثاء؟ 10 عماد 4 بقبضة الجيش: جنرال الجنوب يكشف المعلومات الأخطر عن الحرب والرعب ويلتقط "إشارات سلبية"! 6 قرار لـ "ترامب" يقلق اللبنانيين... هل يحمل تداعيات خطيرة؟! 2
خطة البنتاغون لإزالة "الضاحية-ستان" من خريطة لبنان: وليد فارس يكشف التفاصيل! 11 وفاة شابين في حادث مروع على أوتوستراد زحلة... وفيديو يوثق "اللحظة" 7 عن دهم الجيش لِمخازن أسلحة في الضاحية... مصدر عسكري يوضح! 3
القوى الأمنية تضع حدًا لمجموعة مسلحة في بيروت (فيديو) 12 على الحدود اللبنانية... مقتل 3 أتراك بغارة إسرائيلية 8 بعد "التراجع المفاجئ"... نواف سلام يغيّر "اللعبة"! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر