أعلن مصرف سوريا المركزي في بيانٍ رسمي، أمس الاثنين، عن اتخاذ قرار تاريخي يقضي بتحديد سعر صرف موحد لليرة السورية عند 12,500 ليرة مقابل الدولار الأمريكي، في أول خطوة اقتصادية هامة منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد. يأتي هذا الإعلان بعد أسابيع من التقلبات في قيمة العملة السورية، حيث أظهرت تقارير من شركات صرافة في دمشق ارتفاعاً مفاجئاً لليرة السورية من 15,000 ليرة إلى 12,500 ليرة مقابل الدولار، في أعقاب التحولات السياسية والاقتصادية الكبيرة التي شهدتها البلاد.
وفقاً لمصادر محلية، أرجع متعاملون في السوق التحسن في قيمة الليرة السورية إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها عودة الآلاف من السوريين الذين لجؤوا إلى دول مختلفة خلال سنوات الحرب.
كما لعب الاستخدام المتزايد للعملة الأمريكية والتركية في الأسواق دوراً في هذا التحسن، في وقت كان من غير المسموح فيه للسوريين استخدام عملات أجنبية بشكل علني في التعاملات التجارية خلال حكم الأسد. كان الحديث عن "الدولار" يشكل تهديدًا حقيقيًا للسوريين، إذ كان قد يُعرضهم للسجن، ما جعل التعامل بالعملات الأجنبية أمراً محظوراً بشدة في ظل النظام السابق.
وبالرغم من القرار الجديد، لا تزال الأزمة الاقتصادية في سوريا مستمرة بشكل كبير. فعلى الرغم من أن العديد من السوريين يعبرون عن تفاؤلهم بتحسن قيمة العملة، إلا أن التحديات الاقتصادية تبقى قاسية، خاصة في ظل الفقر المدقع الذي يعاني منه أكثر من 90% من السوريين حسب تقارير الأمم المتحدة. وتعاني البلاد من استمرار الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن سنوات من الحرب الدموية، بالإضافة إلى العقوبات الغربية القاسية واشتداد الأزمة المالية في لبنان المجاور، مما أدى إلى شحّ العملة الأجنبية.
وفي هذا السياق، لا يزال الاقتصاد السوري يعاني من الانهيار في العديد من القطاعات الحيوية مثل صناعة النفط، السياحة، والصناعات التحويلية. ويعمل الكثير من السوريين في القطاع العام المتهالك، حيث لا يتجاوز متوسط الأجور الشهرية 300,000 ليرة، ما يعكس الوضع الصعب للسكان الذين يواجهون صعوبة في تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وتعهدت الحكومة السورية الجديدة، التي اختارتها المعارضة بعد الإطاحة بحكم الأسد في 8 كانون الأول 2024، بتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد. ومن بين الخطط التي أعلنت عنها الحكومة، زيادة الأجور وتخصيص موارد أكبر لتحسين الخدمات العامة التي تدهورت بشكل كبير خلال سنوات الحرب. كما أكدت الحكومة أنها ستعمل على تعزيز الاستثمارات المحلية والدولية بهدف النهوض بالاقتصاد.
ورغم الوضع الاقتصادي المتردي، كشف تقرير لوكالة "رويترز" عن أن احتياطي سوريا من الذهب لم يُمس خلال سنوات الحرب والفوضى التي تلت فرار بشار الأسد إلى روسيا. ويُعتبر الذهب من أبرز الأصول التي تحتفظ بها الدولة السورية، في حين تواصل السلطات السعي لاستعادة الاستقرار الاقتصادي في ظل هذه الظروف المعقدة.
وبينما يُنظر إلى الخطوات التي اتخذتها الحكومة الجديدة على أنها بداية للانتعاش الاقتصادي، فإن الفقر المدقع والهشاشة الاقتصادية تظل التحديات الأكبر. وتحتاج سوريا إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية جذرية لتحسين الظروف المعيشية للسكان، بما في ذلك تطوير البنى التحتية، إعادة بناء القطاع الصناعي، وتوفير فرص عمل جديدة للشباب السوري، الذي عانى من تبعات الحرب الدموية المستمرة.
مع إعلان مصرف سوريا المركزي عن تحديد سعر صرف موحد لليرة السورية عند 12,500 ليرة مقابل الدولار، فإن البلاد تشهد تحولات اقتصادية هامة رغم التحديات المستمرة. ويبقى أن نرى ما إذا كانت الخطوات الجديدة ستنجح في استعادة الاستقرار الاقتصادي وتحسين الأوضاع المعيشية في البلاد، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها معظم المواطنين السوريين.
|