Beirut
14°
|
Homepage
قصّة جيش... قيلَ فيه الكثير
ميشال نصر | الخميس 01 آب 2019 - 10:07

"ليبانون ديبايت" - ميشال نصر

في مثلِ هذا اليوم منذ 74 عامًا، ولد للبنان جيش شهدَ على الكثير من المحطات التاريخية، الحافلة بالانتصارات كما بالنكسات. ما اخذته نشوة نصر وما كسرت العثرات من عزيمة عسكرييه، فاختلطت الشهادة بالحياة، وفي كلا الحالتين البطولة بالخيبة.. حتى يبقى عسكريّوه اوفياء لقسمهم وواجبهم في الذود عن لبنان السّيد والمستقل، لبنان الاستقرار والحرية.. هكذا هي الصورة عشيّة الأوّل من آب 2019.

من موقعة المالكية عام ١٩٤٨، مرورًا بثورة الـ ٥٨ وانفجار الـ٧٥، وصولاً الى ولادة الجمهورية الثانية في الـ ٩٠، بكلّ مصائبها وارهابها، بقيت "عقيدة" "ويبقى الجيش هو الحل" سارية الصلاحية والمفعول حتى تاريخه، وان هشمّت اكثر من مرّة صورة "الشرف التضحية والوفاء" نتيجة الخلط المقصود بين القائد والجيش، مع فشل من وصل من القادة الى السّلطة في قلب الموازين لصالح احلام وتطلّعات التغيير.


امورٌ تغيّرت، اسرارٌ كشفت، وحقائقٌ تبدّلت.. فمن الحدود الشرقيّة مرورًا بالشماليّة والواجهة البحريّة، وصولاً الى الخط الازرق، خطوط دفاع لا تلين. هناك وطن آخر، تفوح منه رائحة ذكية.. اخبارٌ كثيرة تسمعها وروايات تثير الحماسة... مدفعية تضرب وتهزج تمطر الاعداء بالنار... تتقدّم تهجم المدرّعات فيقدم انتصاراً.... قوات خاصة تأكل الحديد والنار... ونسورٌ في الجو ليلاً نهاراً... وبحرية تمخر عباب بحرٍ غدّار... تمرُّ السنوات الواحدة بعد الاخرى... 74 عامًا عمدت بالدم وكلّلت بالغار.

جنودٌ لم يقصّروا بواجبٍ فيما الجميع مقصّرون بحقهم... يواجهون التحديات وآخرها ما فرضته الاوضاع المعيشية والاقتصادية التي لامست حدّ الانهيار، فكانوا على قدر المسؤولية، الى جانب رفاق الأمس وعائلاتكم، رافضين التخاذل امام القيام بواجباتهم، صونًا لوطنكم وحفاظًا على شعبهم ، مقدّمين درسًا في التعالي فوق الصعوبات بشرفٍ، راسمين صورة للعسكري بأبهى حللها. عند هذه النقطة ينتفض العسكريون ويثورون... غصّة ودمعة لرفاقٍ قيلَ فيهم الكثير من التجنّي... منهم من رحل ومنهم من ينتظر... إن لم يكن اليوم فغدًا....حيث أنّ مفتاح الفرج صبر عيل منه ايوب نفسه.

معهم ضدهم وبهم، خيضت مواجهات مباشرة وغير مباشرة، تحت عناوين مختلفة، تارة لاستعادة حق وطورًا لتحقيق مكسبٍ... هكذا مرّت السنوات وما اشبه اليوم بالامس... حوادث كثيرة، تجارب خطيرة، تحدّيات مصيريّة، مرّت هدّدت وتطاولت على الجيش والوطن، من دون أن ينتفض، ذاك الذي قرّر أن يكون "الصامت الاكبر" على الدوام... حتى يوم حاول "التمرّد" منتفضًا، سقط في محظور السلطة والتسلّط، فتراجع وكبت، ليتقدّموا ويهجموا، يتناتشوه حصصًا فيما بينهم. اتهامات بالتقصير تكاد تصمّ الآذان وليس من يردها او يحاول التبرّؤ منها، وكثير من التطاول على الحرمات، الكرامات والبطولات، في اسواق المزايدات، التسويات والمقايضات.

بعيدًا عن المبادئ والقيم والضمير... "دفّعوه" ثمن صراعاتهم لحمًا حيًا، من نهر البارد الى عرسال... نزيف كرامة مهدورة من سلسلة رتب ورواتب مستحقّة الى موازنة "معطوبة"... جاعلين منه دائمًا أبد عنوانًا رئيسيًّا للمنافسة والتجاذب السياسي... استغلّوا عقدة "المارونية الرئاسية"، مصوّبين عبرها للنيل منه، متناسين أنّ بين القيادة والجيش فرق كبير... الاولى ترحل الى محاكم التاريخ فيما يبقى الثاني كالارزة شامخًا، متحدّيًا، مرفوع الجبين، تسري في عروقه دماء طاهرة.

أدخلوا "زعرانهم" بين صفوفه بحجّة الدمج، فانتصر وحوّلهم الى رجالٍ... قطعوا المال عنه، حرموه الدواء والطبابة، حتى الطعام والملبس... قاوم، عضّ على الجرح واكمل الطريق غير آبه، تتقدّم صفوفه ثلل ابطال كانوا رجالاً ليس كالرجال.. فاعادوا اليه عنفوانه... وكلّلوه بإكليلٍ من غار الشرف والتضحية والوفاء... في مقابل قلّة قليلة خرجت من صفوفه، اغراها شيطان السلطة، فسقطت في التجربة... تسكّعت على ابواب السياسيين باحثة لاهثة عن حظوة منصب من هنا وترقية من هناك.. تنازلت عن امانة وقسم، تخاذلت امام دماء رسمت خطوط القوانين والانظمة بالأحمر العريض.

الى هؤلاء... ابعدوا الجيش عن مطامعكم الشخصية وابتعدوا عنه... فعسكريّوه ليسوا للبيع ...كفّوا شركم... فغيرتكم مضرّة، صداقتكم مؤذية، ومونتكم في غير مكانها... اتركوا الجيش في حاله فهو الادرى بمصلحته، دعوه يطهّر نفسه حتى يكون جيشنا كما لبنان لبناننا... عليه نراهن، جيش كل لبنان وكل اللبنانيين.... دعوه على مسافة واحدة من الجميع، لعلّ في ذلك حكمة لا تدركونها... نتمنّى أن تفهموها أو على الاقلّ تتفهّموها... لأنّكم واهمون إن اعتقدتم انكم تستطيعون التلاعب بالمؤسّسة، أو النيل من معنويّات ابطالها... فكفى تطاولًا ومزايدة...كفى استغلالًا لصمتها.

والى من قُهِر وظُلِم من صفوفكم، أيّها العسكريون، الف عفوًا واعتذار... انتم القدوة والمثال... انتم العنوان في كلّ زمانٍ ومكانٍ... والى اصحاب الدم المنسيين طوال تلك الرحلة، الف تحية وسلام نرفعها اليكم في جوارِ رب أنصف منكم الكثيرين، في زمنٍ ضاع فيه معنى الشهادة... اليكم يا شهداء الجيش منذ عام ١٩٤٦ وحتى اليوم، باقة شوق من احباء لم ينسوكم ولن ينسوكم... فمن حيث انتم سامحونا.

يا جنود لبنان... لطالما كنتم دائمًا جاهزون للتضحية، وستبقون، على قدر آمال اللبنانيين وثقتهم بادائكم، التي استحقيتموها، معمّدة بالدم والعرق، لتزهر امنًا وازدهارًا وانماءً ... فالاستثمار في الجيش، استثمار في الاقتصاد الذي ترعاه دولة حماية الحقوق والحاجات... في مقدّمتها جيش قادر على ردعِ كلّ أنواع الاعتداءات، حارساً لأرضه وحافظاً لوحدته وكرامته... يطمئن المواطنون لادائه.

بقدر الادراك لمشاق الطريق وطوله، وبقدر الثقة بعزمكم على المضي قدمًا لتحقيق ما نذرتم حياتكم لاجله، اودعكم وصية غالية حفظتها من جندي مجهول... كان والدي وأخي وصديقي ذات يوم... "الجيش الذي يحتضنكم يدعوكم للعمل والمثابرة ويطلب منكم العطاء بسخاءٍ وجهدٍ... فإن قويَ بكم تنتصرون على كلّ شيئ....وإن اضعفتموه خسرتم كلّ شيئ"... فمن أولى منكم وأحقّ؟

انتم الذين تخوضون الحرب في الداخل وعلى الحدود... بينكم طعم آخر للحياة كما للموت... لا همّكم سلسلة ولا عنتكم موازنة أو تدبير .... تسهر عيونكم كي يغفو بلد الارز بأمانٍ... معكم فقط يشعر كلّ واحد منّا .... بأنّه لبناني... ويفخر كلّ واحد منكم بأنّه "الوطن"... كي يحيا الجيش ويعيش لبنان.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
إلى "سيّدة الانتصارات"... منشور "مؤثر" لـ عباس إبراهيم 9 حزب الله يواجه "خسائر فادحة"... ويُحدّد أولوياته! 5 سباق رئاسة الجمهورية يشتعل… 6 أسماء بارزة على طاولة الخماسية 1
جوزاف عون مادة أساسية في الإعلام الإسرائيلي! 10 بلاغ بحث وتحري بحق الشيخ الحسيني 6 هدوء الطقس لن يدوم طويلًا... استعدوا: أجواء شتوية بامتياز بانتظاركم! 2
قرار "صاروخي" يفتح على لبنان "جهنم الحمرا" مجددا: وزير يكشف خفايا الأسابيع القادمة! 11 تغيير اسم نائب... بري ناداه بهذا الاسم! 7 تلاسن بين قائد الجيش ووزراء الثنائي… إليكم ما جرى في مجلس الوزراء! 3
رامي نعيم يعلن موعد دفن "جثة الحزب العسكري" ويفجر غضبه على "الصيصان": الصراخ والعويل سيملأ الضاحية! 12 سامي كليب يكشف المستور: اميركا وحدها انتصرت والمحور تفكك.. الهدنة ستنهار والسعودية امام لحظة مصيرية! 8 بعد أن تضامن مع المتضررين من قلب الضاحية... ادرعي يُكذّب "نجل السيد"! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر