Beirut
11°
|
Coming
Soon
Coming
Soon
خاص
الرئيسية
الأخبار المهمة
رادار
بحث وتحري
المحلية
اقليمي ودولي
أمن وقضاء
هذا أنا جورج نادر.. من زواريب الضيعة الى رحاب الوطن - الحلقة الثانية
المصدر:
ليبانون ديبايت
|
الاربعاء
23
كانون الأول
2015
-
12:30
ليبانون ديبايت - الحلقة الثانية من مذكرات العميد الركن المتقاعد جورج نادر
الشيطنة والألعاب الخطرة وتسلّق الأشجار و"حركشة" المدابر ( أوكار الدبابير ) وتحمّل لسعاتها المؤذية، واللعب بالكلّة، كانت الجامع بين جيل من الأولاد يملأون ساحات القرية وشوارعها وبساتينها وحقولها باصواتهم وضجيجهم ومشاغباتهم، فكانوا لا يعودون الى البيوت إلا والليل يطبق على تلك المنازل الفقيرةالمتشابهة، يعودون، وعلى أجسادهم الكدمات والجروح والورم المتأتي من لسعات الحشرات، كذلك كانوا يأوون إلى الفراش المشترك (حيث لم يكن لكل فردٍ من العائلة سريره، بل يتشارك الأولاد إثنان أو ثلاثةالسرير الواحد أو الفرشة الممدودة أرضاً) وفي ذاكرتهم الكثير من "البطولات" الصبيانية يفاخرون بها ويمنّون النفس بشيطنات أخطر.. لكن بالطبع أجمل وأحبّ إلى الطباع الشقية وتبقى في الذاكرة تراثاً يندثر وعادات إضمحلّت..
أخبرتنا أمهاتنا أننا كنّا نرضع أحياناً من أمهات أخريات تتجاور وتتشارك العمل اليدوي، فكانت"فيكتوريا" رحمها الله و"جوليا" أطال الله عمرها، كل منهما أمي بالرضاعة، كما كانت والدتي أماً لكل من ولديهما "ميشال" و "نادر" شقيق رئيس العصابة. إذكانت النساء تعمل في الحقول مع الرجال ولمّا كان لكل منها رضيعاً لا تستطيع إصطحابه إلى الحقل، كانت تودعه جارتها التي تُرضِع طفلاً من العمر ذاته، فيرضع الـطفلان من الثدي عينه، وهكذا كان حليب الأم يزيد في لحمة العائلات والأولاد حتى بعد المشيب وطيلة الحياة، ويكون لكل شخص أم أو أكثر بالرضاعة إضافة إلى أمه التي ولدته.
في المرحلة التكميلية تتغير جغرافية المدرسة، فالإبتدائية كانت في منتصف الحي، الذهاب إليها لايتطلب أكثر من عشرات الأمتار لأبعد منزل على طرف القرية، بينما التكميلية تبعد أكثر من كيلومترين، وعلى الأولاد الذين لا تتعدّى أعمارهم العاشرة، السير يومياًهذه المسافة ذهاباً وإياباً، إلا في الأيام الممطرة، إنما ليس في نشرات الأحوال الجوية في التلفزيون، إذ كان في القرية جهازي تلفزيون فقط، وبالطبع بالأسود وألأبيض، يتجمع الأهالي مناصفةَ في المنزلين لمشاهدة تلك الآلة العجيبة التي تسمح برؤية الأشخاص وأصواتهم في الوقت ذاته.
كنت أقطع تلك المسافة سيراً، متأبطاً الكتب والدفاتر، أحملها دون حقيبة، بل "محزومة" بشريط مطّاطي، توفيراً لثمن حقيبة جلدية أو قماشية كان على الوالد براتبه المتواضع أن يؤمن منها على عديد أولاده. السير الطويل يومياً لم يكن المسألة الصعبة في حياتي المدرسية بل تقدير حالة الطقس من قبل الوالد الذي كان ينظر صباحاً إلى الشفق ويقدّر بحسب خبرته "أنو الدني رح تشتّي" ، فكان يعطيني نصف ليرة إيجار السيارة أدفع ربع ليرة في الذهاب وربع أخرى للإياب، فإذا لم تمطر كان علي أن اردّ "المبلغ المرقوم" إلى الوالد دونما نقصان حتى ولو إشتهيت شراء لوحِ من الشوكولا الذي كان إحدى الكماليات التي لا لزوم لها ف "لشو المصروف ال بلا طعمة" ؟، لكن إذا قدرت أرصاده الجوية " انو الدني صاحيي وما بدا تشتّي" فلا يعطيني شيئاً.. وإذا "شتّت الدني" وجيبي فارغة، فهذه مشكلتي التي علي أنا حلّها بالركض السريع كي لا أتعرّض للمطر كثيراً فأصاب بالرشح الذي دواؤه الوحيد عند الأم "فنجان زهورات ساخن وكمور حالك ونام بتعرق وبتصحّ ".
كان "طنّوس الزمتر" رحمه الله، هو السائق الذي يُقِلّنا في الأيام الماطرة، بسيارته ال بيجو 204 طراز الستينات، وكان "يحشرنا إثنين أو ثلاثة أولاد على المقعد ذاته، وتوخّياً للكسب، كان صندوق السيارة أيضاً يستقبل أيضاً تلميذين أو ثلاثة، لكنّ ذلك لم يزعجنا البتّة، لأن كثرة الركاب كانت تخفّض قيمة الإيجار إلى النصف، فنخبّىء النصف الآخر "خرجية " مستورة لوقت الحاجة، وما أكثر أوقات الحاجة.
في السبعينات كانت الأحزاب تتنافس في جذب الشبيبة، وكان الوالد العسكري الطباع يحذّر دائما: "الأحزاب ما بتطعمي خبز" ولحسن حظ جيلي، قررت وزارة التربية فتح ثانوية رسمية في البلدة، فلمّا "أخذت البريفيه " فرح والدي بإبن الأربعتعش الذي "أخد الشهادة" و "قوّص بالجفت أربعة ضروب" إبتهاجاً.. ونلت منه مكافأةً سخيّة : ليرة لبنانية كاملة نقداً وعدّاً قضيت ثلاثة أشهر الصيف وأنا "أبعزق" بالمصروف إستعداداً للمرحلة الثانوية.
إن ما ميّز المرحلة التكميلية كان تجميع المدارس في البلدة في مدرسةٍ واحدة لحضور عروض عسكرية تقيمها كتيبة المغاوير بقيادة النقيب مخول حاكمه "إبن الضيعة": الزحف على الحبال، أكل الأفاعي، القتال وجهاً لوجه و الهبوط من الطوافة.. كلها عروض أثارت إعجاب التلامذة لكن الذي ميّز تلك العروض بنظري كان إطلاق النار من قبل أحد العسكريين بإتجاه رفيقه الذي لم يمت حتى لم يُصب باي أذى، فالتفتت إلى أحد الرفاق مذهولاً : "شفت ؟ قوّصو تلاتين ضرب وما مات" فالمغوار لا يموت، ولم أكن أعرف آنذاك أن الخرطوش خُلّبياً، وأدركت لاحقاً أن المغوار هو أول من يموت..
لا زلت أذكر خلال المعارك بين الجيش والمنظمات الفلسطينية في العام 1973 وبعد إحتلال مركز الأمن العام في وادي خالد من قبل المسلحين كيف أن أهالي البلدة تداعوا بقيادة رئيس البلدية وحملوا بنادقهم الحربية ال 36 ( البندقية الفرنسية المصنوعة العام 1936 ) وقصدوا ثكنة عندقت، وكنت قد "حشرت حالي" بين الكبار، وقابلوا الضابط المسؤول واضعين أنفسهم بتصرفه: أأمرنا Mon Lieutenant
قالها رئيس البلدية لذلك الضابط "بنجمة واحدة" ،فعظم هذا الضابط بعيني كون البلدة بشبابها وشيبها وضعت نفسها بتصرفه، وفي تلك الليلة لم أنم، بل بقيت أحلم بهذا الملازم القصير القامة اشقر الشعر، فقلت لوالدي: بكرا بس أنجح بال Terminal بدي أعمل ملازم.
لم يجب الوالد بل إكتفى بهزّ رأسه لا مبالياً كاني به يدرك مصيري الذي كنت احلم به صغيراً .
مواضيع ذات صلة
هذا أنا ... جورج نادر - الحلقة الاولى
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان،
اضغط هنا