Beirut
11°
|
Homepage
هذا أنا ... جورج نادر - الحلقة الاولى
المصدر: ليبانون ديبايت | الاربعاء 16 كانون الأول 2015 - 9:32

ليبانون ديبايت - الحلقة الاولى من مذكرات العميد الركن المتقاعد جورج نادر

في يومٍ حار من أيام ايار ، وفي قريةٍ وادعةٍ من جبال عكار ، في بيت رقيب في الجيش ، إستُدعِي للخدمة من الإحتياط في أعقاب أحداثٍ أمنية في الخمسينات من القرن الماضي ، كنتُ ذلك الطفلُ الذي وُلِد أسودَ الوجه ، كأنه خُنِق في حشا أمه ، التي لمّا رأته بين الحياةِ والموت ، بكت ، وإنتحَبت وخاطبت " الداية " ( القابلة ) : " يا ويلي كنّو ما بيموت هالصبي " .. لكن " مرشا " العارفة الخبيرة بأمور الولادات ، طمأنت " هند " الوالدة الخائفة : لا تخافي ، ونظرت صوب دير مار جرجس القابع على تلّةٍ مشرفة على البلدة : " سمّيه جورج ، وأبو رمح هوي بيخلّصو " ( إشارة إلى القديس جاورجيوس الذي يلقبه جمهور المؤمنين في تلك الناحية ب " بو رمح " كونه يظهر في صورة الفارس الذي يمتطي ظهر حصانه وبيده الرمح يقتل التنّين ). وعملت الوالدة بنصيحة " الداية " وأسمته جورج تيمّناُ بالقديس جرجس الذي له في كل بيت من ذلك الحي ولدُ يحمل إسمه. تلك المرأة حبلت أربعة عشر مرّة ، أجهضت منها مرتان ، وولدت عشرة صبيان مات منهم أربعة في سنيّ الطفولة ، وبنتين ، وكان المولود الجديد في المرتبة الحادية عشرة زمنياُ ، لذلك خافت الوالدة أن تخسر الطفل الخامس الذي بدا وكأنّ حبلاً لُفٍّ على عنقه.

ترعرع الطفل بقوة أبو رمح في ذلك الحي الغربي من بلدة القبيات ، وكان قد وُلِد في السنة ذاتها من أمهات كانت تكافحن إلى جانب أزواجهن في حقولِ القمحِ والزيتون والكرمة ، ثلاثة عشر ولد ، والآن ، وبعد مضي أكثر من نصف قرن ، بالكاد يولدُ طفل واحد في ذلك الحي الذي بدأ يفقد تراثه الجميل وعاداته المحبّبة.


المدارس رسمية ، (كانت تسمّى " المعارف " نسبة إلى وزارة التربية التي كانت تدعى وزارة المعارف ) من الصفوف الإبتدائية وحتى التكميلية، والأساتذة معلمات ومعلمين هم من أبناء المحلّة ذاتها حيث تسود المَونة على الأصغر سنّاً حتى ولو لم يكن من تلامذتهم ، فكيف إذا كان كذلك وهو " شاطر " بين أقرانه؟؟

لا زلت أذكر الصفوف الإبتدائية بتفاصيلها ، وأُحِب أن أروي طرفتان حصلتا معي : إحداها في الصف الثاني الإبتدائي ، عندما كنت أصنَّف الأول إلا مرّة واحدة " طلعت التاني " إذ كان الأول فتاة .. " ووين بيت ألله ت نهدّو ".

بعد " تفريق " العلامات ، أخذت " منى " تختال أمامي متباهيةُ متشفّية ، فما كان مني إلا أن كمَنتُ لها أمام منزل ذويها ورحت " أحلشها " بشعرها الطويل وأضربها مؤدباُ لتتعلّم كيف تسبق الصبيان وتحرمني " الفرنك " الذي وعدتني فيه مدام " نزهة " معلمتي التي كنت وما زلت أحبّها كثيراُ ( الفرنك يساوي خمسة قروش ، والليرة اللبنانية تساوي مئة قرش .. رزق الله ) . لكن والد منى هرع إلى صراخها ولم يستطع اللحاق بي وأفلتت من " كم قضيب رمان ت أتهذّب " ، وهربت منه ، لكن إلى أين ؟؟؟ فقضيب الرمّان الخاص بوالدي لم يرحم الولد الذي إنتقم لكرامته التعليمية وخسارته المكافأة السخية ، فنلت حصّتي أضعافاُ من القضبان المخصّصة للتأديب المنزلي والتعليمي في آنِ معا ُ.

والطرفة الثانية حصلت في الصف الرابع الإبتدائي ، لم أكن بطلها ، بل مُلحقاً بإبن عمي " ريمون " الكسلان في ال Dictée الإملاء الفرنسية ، كان أستاذ اللغة الفرنسية قاسياً لا يهادن ولا يسامح ولم نلاحظ مرّة أنه إبتسم أمام التلامذة، فكان دائماً مقطّب الوجهِ عابساً "مربّح حالو ألف جميلي" ، وقد وضع " تسعيرةً " للعقاب : قضيب رمان على اليد لكل غلطة إملائية ، وكنت التلميذ الذي " ياكل قتل اقل واحد " ، وكان ريمون التلميذ المشاغب الظريف إذ كنا نشكّل عصابة ً بقيادته كونه الأكبر سنّاً والعارف بشؤون الحيّات والدبابير وإختراع الألعاب البدائية. وذات يومٍ أخبرنا ريمون أنه إكتشف حلاً سحرياً لتلافي أوجاع قضبان الرمان التي يكيلها لنا الأستاذ " كمال " وهو : دهن اليدين بدم الحردون .... ، وهي وصفةُ مضمونة أكّدها لنا رئيس العصابة ، وذلك بحكم الخبرة والمعرفة ، وهرعنا ، بكامل عتاد الحرب على الحرادين , وتمكننا من قتل إثنين منها كانا " يتشمسان " على حيطان المقابر , وعصرناهما ودهننا أيدينا بالدم الحلال ، وتلافينا غسل الأيادي في المنازل.

في صباح اليوم التالي ، ذهبنا إلى الصف واثقين بأن قضبان الأستاذ كمال قد أُبطِل مفعولها ، وكم كانت مفاجأته كبيرة عندما أدرك حجم الأخطاء الإملائية التي تضاعفت نكايةً به ، فزاد لتوّه تسعيرة العقاب : قضيبان لكل غلطة .. ولتكن ثلاثة وأربعة وعشرة ، ما همنا وعلى أيدينا وصفة القائد ريمون السحرية؟

إبتدأ القصاص بالزعيم الذي كان يجلس في المقعد الأول : " فتاح إيدك " فمدّ يده بهزءٍ ولا مبالاة ، ونزل القضيب الأول على يد ريمون ، فنظر خلفه بإتجاهنا وهزّرأسه كأنه يريد إفهامنا ان لا تأثير يذكر على فعالية دم الحردون حامي الأيادي الكسلى ، ونزل القضيب الثاني ، فاهتزّت يد القائد ، وكنا ننظر إليه مرتعبين نصلّي أن يكون مفعول الدواء أكيداً ، ومع القضيب الثالث صرخ : " آخ " .... فصرخ أفراد العصابة بصوتٍ واحد : آخ .. ، بعدما تأكدنا أن دواء الزعيم لا يستطيع مقاومة قضبان الرمّان ، وأن العلاج الوحيد لتلافي غضب الأستاذ كمال هو الإجتهاد وعدم " حط أغلاط " في الإملاء الفرنسية.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
ارتفاعٌ في أسعار المحروقات! 9 بعد توقيف سيدتين من آل الأسد في مطار بيروت... توضيحٌ من "السفارة السورية" في لبنان! 5 ضباط "الفرقة الرابعة" في باب التبانة ومؤامرة طائفية خطيرة: معلومات متضاربة والحقيقة في هذا التقرير! 1
الطيران التركي سيدمر لبنان... بيتر جرمانوس يكشف عن حدث أمني سيطيّر جلسة 9 كانون: إستعدوا لحرب 2025! 10 برقية للعماد عثمان تثير غضب ألفَي لبناني... الإمعان في الخطأ بدل معالجته! 6 أقفلوا هواتفهم...! 2
لا إمكانية لترئيس جعجع 11 بعد تصريح الـ"4 سنوات"... ردٌ أميركي حازم على الشرع 7 صحيحة أو غير صحيحة؟ 3
ترجلوا من الباص وضربوه أمام ابنه وزوجته... تفاصيل إشكال جونية إلى العلن والأمن يتحرّك سريعاً! 12 سقوط المشروع السنّي 8 بشأن إصابته بالسرطان... طبيب نتنياهو يحسم الجدل 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر