Beirut
16°
|
Homepage
هذا انا جورج نادر.. لهذه الاسباب لم نربح حرب الالغاء فكان 13 تشرين الاسود - الحلقة الخامسة عشر
المصدر: ليبانون ديبايت | الاثنين 07 آذار 2016 - 13:32

ليبانون ديبايت - الحلقة الخامسة عشر من مذكرات العميد الركن المتقاعد جورج نادر

اندلعت معركة القليعات في 31/3/1990 بين لواء المشاة الخامس وميليشيا القوات نتيجة هجوم المسلحين على مراكز الجيش في القليعات وجوارها. فشل الهجوم بصعوبة، كذلك فشل الهجوم الذي قامت به وحدات الجيش على منطقة سن الفيل والنبعة. بعدها إنتهت المواجهة المباشرة بين الطرفين وترسّخ قيام" ستاتيكو " عملاني – أمني : ميليشيا القوات تسيطر على الأشرفية وسن الفيل والنبعة والدورة وجبيل وكسروان بإستثناء القليعات، والجيش اللبناني يسيطر على قضاءي المتن وبعبدا، وإقتصرت "المعارك " على مناوشات متقطّعة على محاور التماس بين القوى المتجابهة.

برأيي أن الجيش خسِر المعركة لأنه لم يربحها، وذلك للأسباب التالية :


لم يُكمل الجيش المعركة التي بدأها في شباط 1989 تحت ضغوط الوساطات، فلو أكملها لكان أنجز المهمة بسرعة قياسية، ولكانت ميليشيا القوات قد إنتهت، وذلك بإعتراف أحد قياديي القوات السابقين الذي أخبرني بتفاصيل المعارك وكيف إنهارت معنويات القوات، "نهار 14 شباط فضي المجلس الحربي وكان فيكن تاخدوه بكل سهولي لو.. كمّلتو."

فشل المخطّط الذي كان مقرّرا تنفيذه في 14 آذار 1990 بسبب "إعلام" قيادة اللواء الخطيب والطلب منها أن تضغط من الشمال بإتجاه المدفون لإلهاء مجموعات القوات في جبيل وإجبار قيادتهم على حشد القوى في تلك المنطقة، ثم إعلان حرب التحرير في النهار ذاته الذي كان مقرّراً مهاجمة ثكنات القوات، وإستنزاف قوى الجيش في القتال ضدّ جيش الإحتلال السوري بالعديد والعتاد واللآليات والذخائر، بينما كانت ميليشيا القوات تعيد تنظيم صفوفها وتستفيد من أخطائها وتعوّض النقص في عديدها وعتادها، وتستعدّ للمعركة المقبلة مع الجيش، وكان مقاتلوها يوجّهون عقائدياً وعسكرياً لقتال الجيش وإعتباره العدو الأكبر وتهديد الضباط الذين لم يخضعوا للإغراءات المادية، وضباط المغاوير في طليعتهم.

تُرِكت وحدات الجيش تُنخر من قبل جهاز أمن القوات، ولمدّة سنين منذ ما قبل إغتيال العميد الركن خليل كنعان قائد اللواء الخامس في منزله من قبل جهاز أمن القوات (ايلول 1986)، والصندوق الوطني التابع لمالية القوات أظهر مدى تورّط قسم كبير من الضبّاط في الجيش مالياً وسياسياً، وكان هناك غياب شبه كامل لمديرية المخابرات عن هذا الموضوع.

إن القوى الإقليمية والدولية عملت على تحريض قيادة القوات على القيام ب "عمل ما" ضد "قوات عون" وتجلّى ذلك في حديث السفير الأميركي جون ماكارثي بعد زيارته الرئيس معوض، وإعتراف الدول العظمى ب " شرعية " الرئيس الياس الهراوي، وبالتالي نزع ما تبقّى من الشرعية عن حكومة العماد عون.

بعض ضباط الجيش والرتباء والأفراد الشرفاء، الذين لم يتلطّخوا بالمال والسياسة والمفعمين بالولاء والإلتزام والمناقبية، قامت على أكتافهم جولات القتال منذ بدايتها ولم يتردّدوا يوماُ ولا فتُرت هممهم ولا فكروا يوماً بالتراجع، هم فخر الجيش وعزّة الوطن.

إنتقلت سريتي بادلةً سرية أخرى من الفوج لتتمركز في منطقة "بسكنتا" وجوارها، منطقة جميلة المنظر، أهلها وادعون محبّون، جارة لصنين الشامخ، ومسقط رأس أديبنا الخالد ميخائيل نعيمة، ناسك الشخروب.

للحرب قوانينها وأعرافها، فبالرغم من إنحلال الأخلاق العسكرية عند البعض، وتفلّتهم من القوانين والإنضباط العسكري، بقيت، ولي الشرف بذلك، عسكرياً حتى العظم، بالرغم من الجروح المعنوية التي أصابتني في الصميم جرّاء إستشهاد أحبّ الناس إلى قلبي و"أطيب شباب" في الفوج. أخبر هذه الحادثة للدلالة على الإلتزام الأخلاقي والمعنوي والتمسّك بالإنضباط والمناقبية العسكرية:

أحد المواطنين المدعو بسام ضو ( لا زلت على تواصل معه ) جاءني مرة بعد حوالي أسبوعين من تمركز سريتي في بلدته "الشاوية" المجاورة لبسكنتا :
" سيدنا بدي خبرك شغلي لازم تعرفا "خير نشالله يا بسام؟"
في مرا هون مانعينا تطلع من بيتا لأنو جوزا أسمو سليم ضو..بالقوات "
"كيف هالحكي، مين منعا؟"
"اللي كانو قبلك"
"قوم.. خدني هلق لعندا "

عند دخولنا منزل السيدة ( وهي قريبة بسام ) فوجئت وشهقت خوفاً، فطمأنتها وروت لي كيف أنه من الممنوع عليها مغادرة المنزل حتى لشراء بعض الحاجيات الضرورية، تعيش مع والدة زوجها الذي ينتمي لميليشيا القوات ويقاتل في صفوفها.

"شوفي مدام، من هلق وبالرايح فيكي تروحي مطرح ما بدك وساعة اللي بدك حتى لعند جوزك واللي بيتعاطى معك بفكّلو رقبتو"

لم تصدّق ما قلته، وبقيت ليومين تاليين تلازم منزلها كالعادة، إلا عندما أصرّ عليها قريبها بسام ضو مغادرة المنزل وزيارة زوجها.. وهكذا كان.

بعد إصابتي في 13 تشرين، أخبرني أحدهم أن السيدة ضو وعائلتها قد اقاموا قداساً "عن نيتي "، وبعد حين جاءت مع زوجها سليم ضو المقاتل في ميليشيا القوات اللبنانية ترافقه والدته لعيادتي، شاكرين حسن المعاملة.

حادثة أخرى مؤلمة حصلت للفوج، إستشهاد الملازم اول شربل بو نصّار من السرية الثالثة.

هذا الضابط العصامي، الشجاع المندفع، الملتزم بجيشه حتى الرمق الأخير، أحببته لصلابته وصراحته وشجاعته وعصاميته، أذكر في خلال إستطلاع منطقة قناة باكيش – عيون السيمان، أنه اسرّ إلى رفيق دورته الملازم أول الياس ساسين :
"بشرفك شوف شو هالمنطقا الروعا، في أحلى من أنو يموت الواحد بهالجبال الحلوي؟"
أرسل زوجته تانيا وإبنه طارق إلى جزين "تا حتى ما ياخد ماذونيات ويترك عسكريتو"
بعد في ضباط من هالنوعيي؟

كان له ما إشتهى : إستشهد في "الزبوغا" بينما كان يطارد مجموعة من مسلحي القوات تسللت في الوادي بين الزبوغا وداريا، والتي تصل إلى جسر داريا، فتلقّى رصاصة في قلبه، إستشهد على الفور، ولم يتمكن الضباط والجنود من سحب جثته إلا بعد عدة ساعات، نظراً لوعورة المكان.

المحزن ليس إستشهاده وحسب، بل مقتل زوجته وإبنه، بعد عام على إستشهاده، في منزلهما في عين الرمانة.

إستمرّت الحال المهترئة في "المناطق الشرقية" لمدة ثمانية أشهر، حتى إجتاحت قوات الإحتلال السوري المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش.

عملية 13 تشرين 1990، أحكمت قبضة الإحتلال على الوطن والجيش، فدخل الوطن المثقل بالجراح حقبة سوداء دامت 15 سنة حيث كان "الوالي السوري" يعيّن رئيس الجمهورية والوزراء والنواب، وكان "الزعماء" يتسابقون لكسب ودّ ضبّاط المخابرات السورية، فزحفت قوافل المستوزرين والمستنوبين ( اللاهثين للنيابة ) والمسترئسين إلى مقرّ "الحاكم" السوري في عنجر.

بتاريخ 12 تشرين الأول 1990، وردتني برقية من العمليات مفادها :
"يطلب من المجموعة الثانية في فوج المغاوير التصدّي للقوات السورية التي ستقتحم المناطق الحرّة على الشكل التالي:
اللواء المدرّع ( كذا) وفوج الوحدات الخاصة ( كذا) واللواء الميكانيكي ( كذا ) على محور راس المتن – بعبدات ومحور ضهور الشوير – بعبدات.

لم أعد اذكر أرقام الوحدات المهاجمة، لكن وبحسب معرفتي المتواضعة بتشكيل الوحدات السورية، فإن عدد الدبابات التي ستهاجمني في صباح الغد ( 13 تشرين ) يفوق عدد القذائف التي بحوزة سريتي.

ضحكت.. وإن شرّ البلية ما يضحك، لكنني عسكري، وليس لي إلا تنفيذ أمر قيادتي.

عند الفجر، إستيقظت، حلقت ذقني و"تحمّمت" فبادرني أحد الظرفاء في سريتي: " شو ؟ مبيّن عندك شي ضهرة؟"

أجبته : "عندي أحساس أنو بدّي أنصاب اليوم، وبالمستشفى بركي قالوا شو هالضابط الوسخ الي جايبيلنا ياه".

عند الساعة التاسعة طُلِب إلي أرسال فصيلة مصفّحات لدعم السرية الثانية ( التي يأمرها النقيب شامل روكز ) على محور الدوار، فأرسلت فصيلة الملازم أول يوسف الحصني. وعند العاشرة تقريباً وردت معلومات أن دير القلعة في "بيت مري" قد سقط بيد قوات الإحتلال السوري التي لا تقل عن فوج وحدات خاصة ( فوج الوحدات الخاصة السوري يتألف مبدئياً من كتائب وحدات خاصة ويفوق عددياً بثلاثة أضعاف فوج الوحدات الخاصة في الجيش اللبناني ).

صعدت إلى جيب الويللس سائقاً وعلى يميني رتيب السرية الرقيب أول "غسان الراعي " بنيّة إستطلاع ما يجري، و "بس قلّعت " قفز الرقيب "هاني عبدو " إلى الجيب :
"لوين رايح ؟ ومين قلك تطلع معي ؟ خليك هون" فنزل من الجيب، ليقفز إلى المقعد الخلفي العريف "جوزيف جريج ":
"أسم الله وأنت كمان ؟ يلا نزال من الجيب! "
"ما بتركك تروح لوحدك !"
"نزال بقا بدنا نمشي" ولأول مرة في حياتي اسمع عسكرياً يرفض الأمر:
"ما بدي أنزل، ما بتركك تروح وحدك.." ثم عاود الرقيب هاني عبدو الصعود إلى الجيب، عندها صرخت بأعلى الصوت آمراً :
"نزلو تنيناتكن هلق يلا ت شوف.. وتفوّهت بكلام ناب".. لم يحرّكا ساكناً كأني بهما يعرفان ما ينتظرهما، ولو أدركت ما سيحدث بعد وقت قصير لأجبرتهما بالقوة على النزول من الجيب.
" يلا يا سيدنا خلصنا بقا تركن وبلا ..." قالها رتيب السرية غسان الراعي.

وصلت إلى مستديرة "بيت مري" حيث افادني أحد السكان أن "السوريين" في دير القلعة.

"جهّز السرية أنا جايي" قلتها لاسلكياً للضابط الباقي في سريتي التي تتمركز في منطقة "مار شعيا – برمانا"، كنت أعرف مسبقاً نتيجة المواجهة" سرية تنقص فصيلة ستهاجم فوج يفوق عديده بأكثر من عشرة اضعاف عديد السرية، عملية مناقضة لأ بسط مبادىء القتال، إنها ضرب من الجنون.

(في الحلقة القادمة ١٣ تشرين الاول ١٩٩٠ اليوم الأسود في تاريخ الجيش والوطن. )
النقيب جورج نادر
بعد الرجوع من ادما: المواطنون يتسلقون دبادة تابعة لسرية المغاوير في برمانا (١٩٩٠)
اللواء الركن الشهيد خليل كنعان
النقيب الشهيد شربل بو نصار
النقيب جورج نادر وخلفه المعاون غسان الراعي
الرقيب الشهيد هاني عبدو
العريف الشهيد جوزيف جريج
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
في إطار التدابير الأمنية... "الجيش" يوقف 30 شخصًا! 9 "رسالة واضحة" من الإمارات لنتنياهو 5 مشهد مخيف في جونية و"الضحية" تنتقم بعد سنوات… جولة ميدانية تكشف التفاصيل! 1
"الأمن" يكشف تفاصيل توقيف عصابة "ابتزاز واعتداءات جنسيّة" على قٌصَّر 10 براً وجواً... الجيش الإسرائيلي تحت أنظار ونيران حزب الله (فيديو) 6 الساحل اللبناني على موعد طوفان جديد... إنتظروا أحد القيامة! 2
مقابل التطبيع... "بلومبرغ" تكشف ما ستحصل عليه السعودية 11 رسالة "غير مباشرة" للسعودية من خامنئي 7 ضرب وتخدير قبل الإغتصاب.. تفاصيل تروى للمرة الأولى عن "مشاهير تيك توك" 3
بشأن الجبهة الشمالية... عرضٌ فرنسي وموافقة إسرائيلية! 12 مولوي يتلقى النصائح 8 26 متورطاً حتى الآن... خيوط قضية عصابة الـ"تيكتوكرز" تُكشّف! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر