Beirut
16°
|
Homepage
هذا انا جورج نادر.. معركة أدما، المغوار هو أول من يموت- الحلقة الثانية عشر
المصدر: ليبانون ديبايت | الخميس 25 شباط 2016 - 11:33

ليبانون ديبايت - الحلقة الثانية عشر من مذكرات العميد الركن المتقاعد جورج نادر

إندلعت شرارة الحرب المتوقّعة بين الجيش وميليشيا القوات في 31 كانون الثاني من العام 1990، وكان قد سبقها توتّر يومي وحوادث إطلاق نار بين عناصر من الطرفين وشحن إعلامي، فخلّفت تلك الحرب 284 شهيداً في صفوف الجيش وعدد مماثل تقريباً في صفوف القوات، وحوالي 1100 من المدنيين، وهجرة أكثر من 300 ألف شخص من تلك المناطق، بالإضافة إلى التدمير الهائل في الممتلكات العامة والخاصّة.

معسكر أدما للتدريب كان تابعاً لفوج المغاوير وتنتشر في محيطه سريتان تتبدلان مداورةً كل شهرين: إحداها سرية مشاة والأخرى سرية مدرعات وكانت السرايا تتلافى التمركز في ثكنة رومية نظراً لكونها مؤلفة من طابقين لا يحميان من القصف ، بالإضافة أن تلك البقعة كانت "على لائحة الأهداف" للمدفعية السورية في حرب التحرير، ومدفعية القوات في حرب الإلغاء، لذلك كانت السرايا تنتشر في برمانا ومحيطها تلافياً لقصف المركّز.


لم يمضِ على إستبدال سريتي وسرية بسام في أدما ثلاثة اسابيع، عندما إستدعانا قائد الفوج:
"بتروحو ع أدما " موجّها السؤآل إلى بسام وإلي..
إستغربنا بداية السؤآل، لأننا لم نكد نتمركز في محيط الثكنة خلال أسبوعين من إلتحاقنا من معسكر أدما، لكن الإندفاع والإلتزام وعدم مناقشة الأوامر خصوصاً إذا كانت تحمل طابع التحدّي، كما كان من المفترض ان تبقى السريتان البادلتان ثمانية اسابيع كما العادة، وليس ثلاثة..
"إي أكيد منروح" أجاب بسام بإسمه وطبعاً بإسمي، فأعادت السريتان تمركزهما في معسكر أدما قبل ثلاثة أسابيع من المعركة..

التمركز في أدما يطاول جغرافياً "LBC، الصفرا، طبرجا، كفرياسين، كازينو لبنان، مبنى ال "Bel Horizon حتى تلال أدما"

بقعة تحتاج تغطيتها إلى خمس سرايا قتال، يحرسها بشكل دائم 41 خفيرا، مساحتها حوالي 4 كلم مربع، تدافع عنها سريتان لا يتجاوز عديدهما 120 عنصر.

إندلعت المعارك بعد حادثة مدرسة "قمر" الرسمية في فرن الشبّاك، ثم توسّعت لتشمل أغلب المناطق "الشرقية" وخصوصاً في "أدما" ومحيطها.

في بداية الإشتباكات في أدما إستُشهِد ثلاثة عسكريين: ميشال داغر في مركز "كبّة" أول طلعة أدما من جهة الأوتوستراد، ثم يوسف سابا ودوري رزق (إبن شقيقتي ) خلال مهاجمة مركز "المفتشية" التابع للقوات في طبرجا.

لم نستطع إخلاء جثث الشهداء ولا يتوافر برّاد ولا مستشفى ولا حتى مستوصف ميداني أللهم إلا مستوصف عسكري صغير في معهد التعليم غير مجهّز لا بالأدوات الطبية، ولا بالإختصاصيين، ولا يفي بالحاجة، لكنّه مضروب بالنار لا يمكن الإستفادة منه.

وحدها الدكتورة "إليزابيت باز" المتعاقدة مع الجيش كانت، إختيارياّ، تترك منزلها تحت القصف لتضمّد جراح العسكريين المصابين.

عندما بدأت تنبعث الروائح من جثامين الشهداء الثلاثة، اشرت على بسام أن نشكّل لجنة دفن بحسب النظام العام في الجيش لدفن الشهداء حفاظاً على كرامتهم، لكنّ الإتفاق على وقف إطلاق النار بين الجيش وميليشيا القوات، سمح بإخلاء الجثامين إلى مناطق سيطرة الجيش وبالتالي إستلمها ذووها.

منظر أختي الأرملة، التي فقدت إبنها البكر إثر عملية جراحية في القلب، وهي تبكي إبنها دوري الشهيد، لا يترك مخيّلتي البتّة. حتى الآن، لا زلت أشعر بعذاب الضمير لأنني طوّعت إبنيها في الفوج ولو بناءً لطلبها:
"مش أحسن ما يلحقو الأحزاب؟ الجيش أشرف وافضل."
"بس يا أختي أنا ما عندي شمسيي حطّا فوق راسن، يسواهن ما يسوا غيرن من العسكر."
"ولو كان، نحنا ولاد الجيش، جوزي كان بالجيش وولادي ألن الشرف يكونو بالجيش."

بعد ثلاثة ايام من إخلاء جثامين الشهداء، وفي اثناء تقدّم مجموعة من مسلحي القوات بإتجاه مراكزنا لجهة فندق "الرابية مارين" في الصفرا، إستٌشهِد مرافقي شربل إبراهيم، وأُصيب كل من الملازم أول منصور دياب والرقيب اول جوزيف إسكندر رتيب سريتي إصابات خطرة في كل أنحاء جسده وأطرافه، كاد يفارق الحياة لولا أن عمّه الذي يقطن في "الصفرا"، إستطاع إخلاءه إلى مستشفى "الحاج" في "عشقوت" حيث لم يُكمِل الفريق الطبي العملية الجراحية له، لأن عناصر القوات عرفوا بأمره، فلم " يُقطّب" الجرح وبقي مفتوحاً نازفاً ، إلا أن العم "الحربوق" إستطاع تهريب الجريح إلى خارج منطقة سيطرة القوات في البترون حيث عولج وشُفِي بعد وقت طويل من العلاج.

جثة شربل إبراهيم، الذي لا أزال أحتفظ بصورته في محفظتي، مدّدتها على سرير حديدي ، وأنرت شمعةً فوق الجثمان، وصلّيت..
بعد يومين، وكانت الرائحة قد إنبعثت من الجثمان، خاطبته:
"مش حاسس أني عم أنهان لأني ما قدرت خليتك عند أهلك ؟" لكن الجثمان أُخلِي بواسطة الصليب الأحمر، ولم يعُد شربل "يهينني" حيث إستلمه ذوو الشهيد الذين أواظب حتى الآن على زيارتهم في قريتهم "بيت ملّات" العكارية ، ويكون شربل حاضراً في كلّ زيارة..

(في الحلقة المقبلة معركة ادما تابع، والحصار المتبع والاساليب المعتمدة لمتابعة النضال بمساعدة المدنيين والانصار.)
المقدم جورج نادر
الشهداء العريف ميشال داغر والرقيب يوسف سابا
من اليمين الملازم اول جورج صعب والملازم اول جورج نادر في ادما
الشهيد الرقيب الاول شربل ابراهيم
الشهيد شربل ابراهيم (يميناً)
دوري وبسام خلال التدريب
الشهيدين الشقيقين بسام رزق (يميناً) ودوري (يساراً) وقوفاً يتوسطهم احد الاقرباء المدنيين مع الشهيد بسام جرجي (جلوساً)
السيدة جورجيت رزق والدة دوري و بسام
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
رسالة للمولوي "على الأرض" 9 تجنّباً للعاصفة الأمنية غداً... قرار حاسم للمحافظ! 5 ظهور مباغت لقوة الرضوان و"20 دقيقة" تحبس الأنفاس.. خطّة عسكرية جديدة لنصرالله! 1
سامي كليب يتحدث عن "عودة الجيش السوري الى لبنان"... وخطة "التفجير الداخلي"! 10 يوم فجعت دار الفتوى بمصاب كبير وفتحت بكركي أبوابها للتعازي... ماذا حصل في 16 أيار؟ 6 صحافية جديدة ملاحقة من القضاء! 2
حزب الله ينشر معلومات عن صاروخ "S5"! 11 نصّار يعلن عن مفاجأة ايجابية غداً! 7 حرب الجنوب... "تفتح الشهية" في كسروان والمتن! 3
مهزلة في ساحة النجمة.. طوني بولس يرفع الصوت ويكشف حقائق مخيفة عن "الديكتاتور بري" 12 "بيروت قد تُدمر"... السيناتور الأميركي يكشف! 8 رغم وجودها خارج الأراضي اللبنانية... قرار بمنع سفر ممثّلة! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر