Beirut
16°
|
Homepage
هذا انا جورج نادر.. هكذا قاومنا في أدما - الحلقة الثالثة عشر
المصدر: ليبانون ديبايت | الاثنين 29 شباط 2016 - 8:46

ليبانون ديبايت - الحلقة الثالثة عشر من مذكرات العميد الركن المتقاعد جورج نادر

إلتحقت بمجموعة أدما بعض القوى التي تمكنت من الإنسحاب من منطقة جبيل بعد سقوط مراكزها بيد مسلّحي القوات، هذه القوى من اللواءين الثامن والسابع، قيادة اللواء السابع لم تُعط الأوامر بالقتال ولم تكن أصلاً مهيّأة نفسياً ولا ميدانياً لقتال المسلّحين، فإستولى هؤلاء على دبابات الكتيبة 74 دون مقاومة تُذكر.

لقد نبهنا، آمرو السرايا في الفوج، مديرية المخابرات في الجيش، بعدما تأكدنا بأم العين من إجتماعات بعض الضباط من اللواء السابع وقاعدة حالات الجوية مع مسؤولي القوات اللبنانية، لكن.. لاحياة لمن تنادي.


معهد التعليم أيضاً يتمركز في البقعة ذاتها، قائده العميد الركن "رياض شمعون" كان قائداً للمدرسة الحربية عندما كنت تلميذاً في السنتين الأولى والثانية، كنّا نزوره أحياناً، بسام وأنا، وفي الليل طبعاً لنطمئنّ عليه وكان يردّد دائماً: "معي بارودتي قولولي وين بدكن ياني روح ".. هكذا وبكلّ شهامة وعنفوان كان هذا الضابط يريد أن يدافع عن مركزه كمقاتل فردي.

قاعدة أدما الجوية تتمركز ايضاً في البقعة، في اللحظات الأولى للمعركة، دُمِّرت الطوافات في مهابطها من قبل مدفعية القوات، لأنها تُركت عرضةً لنار المسلّحين دون أخذ المبادرة الميدانية ونقلها إلى أماكن أكثر أمناً وحيطة. إستشهد جرّاء قصف الهواوين ثلاثة ضباط طيارين: "العقيد بول معلوف شقيق اللواء الوزير إدكار معلوف والنقيب ميلاد موسى والملازم أول ايلي شمعون".

في الحصار، وعند الشحّ بالذخائر، إعتمدنا التقتير والتنبيه الجازم بعدم إطلاق النار إلا بعد التأكّد من إمكانية الإصابة شبه الأكيدة، لكن مطبخ موقع صربا سقط بيد مسلّحي القوات اللبنانية، كما الطريق من ثكنة صربا وحتى معسكر أدما، لذلك تم الإعتماد على السكان المدنيين الذين وبكلّ ثقة، ناضلوا وضحّوا مقدمين الدعم اللازم: كانت النساء تحضّرن الطعام في منازلهن وينقل إلى المراكز العسكرية، أذكر وعرفاناً بالجميل، وإعترافاً بالتقصير، السيدة "سامية" زوجة السيد "أنطوان شلالا" (رحمها الله) وإبنتها "ريما" التي كانت تخاطر بحياتها مجتازة مراكز المسلحين لتحضر ربطات الخبز للعسكريين.. وشربل شلالا شقيق زوجها الذي لم يترك قيادة الجبهة لحظة واحدة، ولا أنسى الأنسة هدى القزي والسيدة ماري زوجة النقيب ميشال شلالا، كذلك يبقى في الذاكرة الوفية شباب طبرجا "الأنصار" الذين قاتلوا معنا ببسالة وإندفاع زخيا الناكوزي وشقيقيه فريدي وفادي، جو قزي وشقيقه وليد، داني ودوري قزي شقيقيه سيرج طاور، درغام درغام ، فادي بواري فرنسوا ناكوزي خليل دميان الأشقاء إميل وإبراهيم شباط.. وآخرون لم أعد اذكر اسماءهم، فعذراً منهم. كما أذكر مع الشكر الكبير شباب بلدة الصفرا "ناجي طربيه، جوزيف عويس، جوزيف وجورج خوري وغيرهم ممن لم تعد تسعفني الذاكرة بإسمائهم، هؤلاء الأشخاص جميعاً الذين ذكرتهم، والذين نسيت اسماءهم، ناضلوا مع جيشهم، قاتلوا معه، دعموه بكل قدراتهم، الشكر من القلب لهم وأعترف أنه لو كنّا بين أهلنا لما عوملنا كتلك المعاملة من أهالي طبرجا وأدما وكفرياسين والصفرا.

رغم الشدّة والصعوبات، ورغم الجراح والالام، يبقى الأمل بالحياة والمستقبل الأفضل، وتبقى ومضات الفرح حاضرة في عيون العسكريين، ولا بأس بسرد "خبريات" أحد الجنود في سريتي ويدعى "خليل مخلوف ". فخليل هذا غريب الأطوار، هادىء الطباع، شجاع حتى حدود التهوّر، لا ينفّذ إلا ما يدور في رأسه، وهل لأحد أن يعرف ما في رأس "المخلوف"؟

كان يتكلم والسيجارة في فمه "ملزّقة " بشفته السفلى حيث كان يولّع السيجارة من أختها". كلّفته تعبئة خزانات الآليات بالمحروقات بواسطة براميل موضوعة في "بيك آب"، حيث كان يملؤها ليلا ً ثم يدور على المراكز ويعبّىء خزانات الآليات. في إحدى الليالي الباردة جاءنا الملازم أول "سليمان سمعان" آمر مركز "كفرياسين – الأوتوستراد"، صارخاً وشاكياً خليل مخلوف لتهوّره ، فقد ملأ البراميل بالبنزين والمازوت، لكن البيك آب لم يدر محركه "فدفشه ولقّطه" نزولاً لكن بقرب مركز المسلحين الذين أطلقوا النار بغزارة ِ بإتجاهه، ولحسن حظه وحظ المراكز الصديقة القربية لم يُصب البيك آب ونجت البقعة من كارثة.

"شو عملت تحت يا مخلوف؟"
"ما شي سيدنا .. أجاب والسيجارة تتحرك بين شفتيه
" كيف ما شي وكانو فجّروك؟"
"والله والله، ليش ت بدّن يفجّروني؟ ما أنا ابن الدولي، والطريق للدولي، شو خصّن فيي؟"
هكذا كان خليل مخلوف، لا يكترث للخطر ولا حتى للموت، شأنه شأن أغلب رفاق السلاح.

إحدى الطرائف أيضاً حصلت مع رتيب من الذين " إستأنفوا " الخدمة إختيارياً ليقاتل إلى جانب رفاقه :
الجو في الخارج قارس، وإذا برجلِ يلفّ الراس والوجه بـ "الكوفية" الفلسطينية ويرتدي "الكبّوت الفرنساوي" (المعطف الذي كان يرتديه العسكريون إبّان الإنتداب الفرنسي)، ويحمل في كتفه بندقية "فال" يدخل ويلقي التحية:
"ألله معك سيدنا" باللهجة العكّارية التي تخصّ أهالي "عندقت"، فوجئت بالزيّ واللحية، لكن من لهجته والتفرّس في وجهه تبيّنت إسمه: إنّه "أديب الصبّاغ" أحد أظرف الظرفاء في عندقت والقبيات، ربّ عائلة من عشرة أولاد بالكاد يكفيهم القوت اليومي.
- "شو جابك لهون يا أديب"
- "جايي قاتل معكن"، إستأنفت الخدمة وألحقوني بمعهد التعليم، وما فيي أبقى بالملجا، لذلك جئت إليكم
- "يا أديب عندك "عرّ" ولاد نحنا مش عايزينك، رجاع ع المعهد."
- والله والله.. لما كنت أنا عم قاتل أنت وين كنت، أكيد كنت بعد ما خلقت "
لكنّني لم أرضخ لإلحاحه لسببين: أحتاج إلى أمر قائد المعهد لألحاقه، ثم أن "برقبته عيلة بتاكل شعر الراس".

في اليوم التالي، وفي أثناء جولة ليلية ( بسام وأنا ) على الخفراء في مركز ال Bel Horizon، إذا بنا لم نجد الخفراء خارجاً كما العادة، والضجيج والضحك الصاخب يُسمع إلى مسافةً بعيدة: العسكريون يتحلّقون حول النار وأديب الصبّاغ في الوسط يخبرهم نكاته والمشاغبات التي كان يقوم بها في اثناء خدمه السابقة في الجيش وكيف رفض آمر سريته منحه المأذونية فأدّى التحية للعلم وطلب منه الماذونية فرفرف العلم وقال له: روح يا أديب ألله معك أنا سامحلك" وأمر العلم يعلو اي أمر آخر.

"ضبّ تيابك ويا الله رجاع معنا ع المعهد يا أديب "، لكن آمر المركز الملازم أول سيمون شاهين إعترض قائلاُ : "الله يخليك سيدنا من جمعتين ما شفنا الضحك الا لما أجا لعنّا الصبّاغ ".

المحزن أنه في 17 شباط وخلال الهجوم الأخير على أدما إستُشهِد أديب الصبّاغ الذي قاتل مع المغاوير رغماً عنهم، في البناية ذاتها التي كانت مسرح نكاته وطرائفه.كما أوجعني إستشهاد إبنه لاحقاً في "كفرحبو" الضنية، مطلع العام 2000 خلال قتال وحدات الجيش ضد التكفيريين.

(في الحلقة المقبلة ازدياد الحصار حول ادما ونفاذ الذخيرة وحكاية المغوار الذي لاينحني ... يستشهد واقفاً.)
المقدم جورج نادر
الشهيد الطيار العقيد بول معلوف
الشهيد ميلاد موسى
الشهيد ايلي شمعون
الشهيد اديب الصباغ
خليل مخلوف
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
ظهور مسلح في الكامبنسكي… أين الأجهزة الأمنية؟ 9 نصّار يعلن عن مفاجأة ايجابية غداً! 5 ظهور مباغت لقوة الرضوان و"20 دقيقة" تحبس الأنفاس.. خطّة عسكرية جديدة لنصرالله! 1
سامي كليب يتحدث عن "عودة الجيش السوري الى لبنان"... وخطة "التفجير الداخلي"! 10 بعد حجز سيارات ودراجات مخالفة... خطوة هامّة للوزير! 6 صحافية جديدة ملاحقة من القضاء! 2
سرقنَ 60000 دولار أميركي... توقيف 3 "كينيات" في البوار 11 رسالة للمولوي "على الأرض" 7 تجنّباً للعاصفة الأمنية غداً... قرار حاسم للمحافظ! 3
حزب الله ينشر معلومات عن صاروخ "S5"! 12 "بيروت قد تُدمر"... السيناتور الأميركي يكشف! 8 يوم فجعت دار الفتوى بمصاب كبير وفتحت بكركي أبوابها للتعازي... ماذا حصل في 16 أيار؟ 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر