Beirut
13°
|
Homepage
الرئيس بالإكراه
عبدالله قمح | الجمعة 10 كانون الثاني 2025 - 2:41

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

سنقول مبروك لرئيس الجمهورية المنتخب جوزاف عون، متمنين له النجاح بمهمته في قيادة البلاد لـ6 سنوات مقبلة، وأن يُحقق تعهداته التي أوردها في خطاب القسم، وأن يُنجز وأن يفعل ما عجز غيره عن فعله، وسنتشارك وإياه تحقيق تطلعات الشعب اللبناني، وربما نساعده إن دعت الحاجة، وقد نحتفل معه عندما يُحقّق، وإن النجاح، غالباً نجاح للجميع فيما الخسارة تقاس على رجل واحد.

ولكن فليعذرنا فخامته. إخترنا الآن، أن نكون في صف المعارضة، ليس معارضة الشخص، النهج والخيارات أو التوجهات، إنما معارضة الشكل، الأسلوب والسياق الذي جاء به رئيساً، من موقع الإعتراض على أسلوب فرض الإسم على الجميع، أسلوب الإبتزاز والتهديد والتهويل الذي مورس على النواب من موفدين أجانب، ليس دفاعاً عن هؤلاء النواب الذين ظهر أنهم باتوا منزوعين ليس فقط من المناعة الوطنية، إنما والسياسية أيضاً. سنكون في صف الإعتراض على جعل موقع رئاسة الجمهورية دميةً في يد الخارج، وحيث تصبح صلاحية انتخاب الرئيس حكراً على موظفين أجانب برتبة مبعوثين ومندوبين، وسنكون معارضين لفكرة تعيين رئيس لا انتخابه.


والقضية ليست قضية جوزاف عون أو سواه، إنما قضية مرض لبناني خبيث ينتشر في الجسد، في امتثال من يُفترض أنهم حماة السيادة لأوامر الخارج، وخضوعهم للإملاء السياسي الخارجي، وسكوتهم عن التهديد إن رفضوا السير في تسوية الإنتخاب، وخوفهم من الإدراج على لوائح العقوبات، والخشية من نتائج الإبتزاز، واللهث خلف بيع الأصوات بل وأكثر.

إننا إذاً وعلى مشارف تدشين العهد، سنترحم على السيادة الوطنية، سنترحم على القرار الحرّ، وعلى الإستقلالية والإستقلال، وعلى الشعارات كل الشعارات حول المصالح والخيارات، ولو شئنا لنصبنا خيمةً في جوار مجلس النواب وتقبّلنا العزاء، ليس في انتخاب شخص إنما على موت المناعة الوطنية واغتيال السيادة على مذبح مجلس الشعب حيث جعلت مواد الدستور تماثيل من تمر. وفيما لو اخترنا الفرح، لعبّرنا عن سعادتنا بانكشاف طبقة النواب السياديين، التغييريين، المستقلين وغيرهم، وظهور أنهم مجرد أدوات ومتشدّقي خطابات لا يختلفون عن زملائهم إلاّ في أنهم يرضخون بشكل أسرع للضغوطات.

سنقف مذهولين، ليس على تحول الـ71 صوتاً في ظرف ساعتين إلى 99، وليس على "المسخرة" التي طبعت الجلسة وفلتات الألسنة والكلام المعيب، ولا على حضور السفراء، إنما على تعيين رئيس للجمهورية وفرضه على الدولة والدستور بالقوة وبالسطوة، وسنذكر دائماً كيف أن 3 موفدين كان لهم أن أوقفوا الجمهورية على قدم ونصف طوال أسبوع كامل، أسروا رجالاتها، واعتقلوا مواقفهم، اُهين بعضهم، وأُسمع الآخر كلاماً، وتعرض نفر ثالث للإبتزاز، والقسم الآخر عانى من سلوك إستعلائي وضيع كان حريصاً على ضمان عدم تسربه إلى الإعلام إلاّ لحفنة قليلة من الموثوقين مع ضمان عدم ذكر الأسماء.

نعم رئيس بالإكراه، ليس تقليلاً من شأن الرئيس، ربما يستحق أن يكون رئيساً، إنما بالإكراه، لكون الإنتخاب ليس نابعاً من خيار لبناني مئة في المئة، ليس خمسين في المئة حتى، إنما نابع من خيار خارجي جرى تعميمه داخلياً كأمر عمليات ملزم التطبيق دون إعتراض، والجميع يعلم، بمن فيهم الرئيس ومن كان حاضراً في الجلسة، أن غالبية من صوّت، منح صوته ليس ثقةً بالمرشح أو إلتزاماً معه أو تأييداً له أو إقتناعاً فيه، إنما خشيةً ممّن فرضه ومن السوط.

الآن وبعيداً عن كل ذلك، حمل نهار الأمس مجموعة رسائل، ومجموعة سقطات سياسية لقوى مركزية، وأيضاً مجموعة تفاهمات أنتجت الصورة على حالتها الراهنة.

في الجزء ما قبل الأخير أعدّ رئيس حزب القوات سمير جعجع خاسراً، أولاً لعدم نجاحه والمعارضة في فرض وصول الرئيس بمعزل عن دعم الثنائي الشيعي له، وثانياً لسقوط فكرة تحوّل جعجع إلى صانع رؤساء يعزز إمكانية طرح نفسه شريكاً للرئيس في الحكم، وثالثاً لعدم قدرته على فرض الرئيس وفق رؤيته، ورابعاً لسقوط حلم رئاسته شخصياً.

من المصنّفين كخاسرين أيضاً في البعد السياسي، "التيار الوطني الحر"، وأيضاً قوى المعارضة، بسبب انعدام القدرة على الإتيان برئيس من اقتراحاتهم، وظهور أن أقصى قوتهم التجييرية لا يتعدى سقفها 71 صوتاً مع حساب آخرين لا يحسبون أصلاً على المعارضة، وبسبب تبدل موقفهم بين معترض على انتخاب عون إلى مؤيد له بظرف أيام، وبسبب انكشاف ضحالتهم السياسية وسيادتهم المزعومة، لكنه مع ذلك، سجل نجاحاً في تضمين الخطاب الأول للرئيس جزءاً من أفكارهم، وسجل نجاحاً بأن الطرف السياسي الذي فرض الرئيس، هم داعموه أساساً.

بالنسبة للثنائي الشيعي، حقق نصف خسارة ونصف ربح. عجز عن إيصال رئيس "من عندياته" والتزم خيار تسمية المعارضة للرئيس، وقد ثبت بالوجه الشرعي أن العاصفة الناجمة عن العدوان الإسرائيلي الأخير أرخت بظلالها على الإستحقاق الرئاسي، لكنه في المقابل سجل نجاحاً في مكانٍ آخر، في فرض نفسه شريكاً أساسياً في إيصال الرئيس، بل شريكاً مركزياً. وأثبت أن أصواته هي التي جاءت بالرئيس وكانت ضرورية لإتمام مراسم الإنتخاب، وأن فكرة كسر المكوّن الشيعي سياسياً لا تستقيم، وأن "حزب الله" لم ينتهِ بل هو شريك أساسي ما زال قادراً على لعب الأدوار، وأن هذا المكون تحول بيضة قبّان سياسية يصعب تجاوزها.

بالنسبة للرئيس المنتخب، فاز بأوسع تغطية سياسية داخلية، وخارجية إقليمية عربية خليجية لانتخابه، وضَمِنَ تغطية مسيحية مريحة ولو مؤقتاً، وفاز بغطاء سنّي وآخر درزي، وفاز بتفاهم ربع الساعة الأخيرة مع ثنائي "أمل - حزب الله" لضمان تأمين أيام حكمه، وتمكن من إبرام ما يشبه التفاهم مع الثنائي حتى بلغ الـ99 صوتاً، يبدأ بالتفاهم على شكل حكومة العهد الأولى وضمان وزارة المالية حيث من المرجح أن تكون حكومة من الإختصاصيين غير الحزبيين، مبنية على توازنات مجلس النواب الحالي ويبدو أن نجيب ميقاتي لن يكون بعيداً عنها، ومن المرجّح أن تكون مهمة الحكومة تسيير إنتخابات نيابية بلدية وإختيارية بعد عام ونيف، وعلى التزام سياسته طابع الإنفتاح وليس المواجهة، وعلى التفاهم والتشارك في التعيينات كافة إبتداءً بقيادة الجيش، والأهمّ ضمان دعم مشوار إعادة الإعمار، وهي الكلمة المفتاح التي أبرمت الـ"ديل الرئاسي" بين الثنائي والخارج بعد ضمان مشاركة دول الخليج في إعادة الإعمار، مالياً ولوجستياً، والأهم، ضمان عدم الإنقلاب على الحزب وسلاح المقاومة شمال الليطاني وحصر تطبيق القرارات الدولية جنوبه.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
معركة تصريحات تُفجّر الخلافات بين "التيار" و"القوات"... وهجومٌ على "ست الرضا"! 9 فيصل عبد الساتر يكشف خفايا إجتماع "الثنائي والرئيس" ويُحدّد مهمّات عون! 5 أول تعليق إسرائيلي على إنتخاب عون رئيساً 1
"يمكنهم فرض رئيس حكومة"... باسيل: عون أتى بعملية فرض 10 بالإنابة... تكليف رئيس الأركان قائداً للجيش 6 بالصورة: جعجع يحتفل بإنتخاب عون رئيساً 2
فيديو "مضحك" من بطولة الرئيس نبيه بري ... هرج ومرج وشتائم في جلسة انتخاب الرئيس! 11 عون ينسف خطط حكومة حسان دياب! 7 مشهد بارز سيطر على نواب الحزب والحركة 3
سعد يحيّد السعودية 12 شقيقة جوزاف عون: "من لم يجوع جيشه لن يجوع شعبه"! 8 بعد "تفاهات النواب"... وهاب يدعو لمراقبة "ملك اللعبة"! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر