Beirut
14°
|
Coming
Soon
Coming
Soon
خاص
الرئيسية
الأخبار المهمة
رادار
بحث وتحري
المحلية
اقليمي ودولي
أمن وقضاء
كفى جنرالات في بعبدا
وليد خوري
|
الخميس
19
كانون الأول
2024
-
2:22
"ليبانون ديبايت" - وليد خوري
منذ أكثر من عقدين، يعيش لبنان في ظل نظام يعيد إنتاج الفشل ذاته، عبر وصول قادة عسكريين إلى سدة الرئاسة. هذا الواقع يعكس ليس فقط إفلاس الطبقة السياسية، بل أيضاً إفلاس المشروع الوطني ككل. فمنذ العام 1998، مع تولي إميل لحود الرئاسة، بات الجنرالات الخيار المفضل لمنظومة سياسية عاجزة عن تقديم أي حلول حقيقية. بدلاً من ذلك، تتقن هذه المنظومة تدوير الزوايا لتحقيق مصالحها الضيقة، بينما يغرق لبنان أكثر في أزماته. هذه الظاهرة ليست صدفة، بل هي نتيجة مباشرة لاستسلام القرار الوطني لإملاءات الخارج، وعجز القوى الداخلية عن إنتاج قيادة مدنية ذات رؤية إصلاحية.
حكم العسكر لطالما كان موضع جدل عالمي، حيث أشار الفيلسوف البريطاني برتراند راسل إلى أن الدول التي يحكمها الجنرالات تفتقر إلى الديناميكية الفكرية والاقتصادية، لأن الأولوية تكون للأمن على حساب الابتكار والإصلاح. هذه الفكرة تنطبق تماماً على لبنان، حيث أدى صعود العسكريين إلى الحكم منذ العام 1998 إلى تعميق الانقسامات السياسية، وتفاقم الأزمات بدلاً من حلها.
عهد إميل لحود كان نموذجاً واضحاً لفشل حكم العسكر في إدارة بلد متنوع ومعقد كلبنان. ارتبطت ولايته بالوصاية السورية وبسياسات أمنية قمعية أضعفت مؤسسات الدولة وأفقدتها فرصة إعادة البناء بعد الحرب الأهلية. أما ميشال سليمان، ورغم وعوده بالحياد، فشهدت ولايته المزيد من التدهور السياسي والانقسام. عهد ميشال عون كان الكارثة الأكبر، إذ تزامن مع الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث، حيث تفاقمت الأزمات إلى حد غير مسبوق. واليوم، يُطرح اسم جوزاف عون كمرشح للرئاسة، في إعادة إنتاج مأساوية للنمط نفسه الذي أوصل لبنان إلى هذا القاع.
حكم العسكر بطبيعته يركز على الأمن والاستقرار، لكنه يفتقر إلى المهارات الاقتصادية والتنموية التي يحتاجها لبنان بشكل عاجل. لبنان يعاني من انهيار شامل، من نظام مصرفي مشلول إلى قطاع عام متهاوٍ وهجرة جماعية للكفاءات. كيف يمكن لرئيس عسكري، مهما بلغت كفاءته الأمنية، أن يدير اقتصاداً بهذا الحجم من التعقيد؟ تجارب حكم العسكر في العالم تُظهر نتائج كارثية. في السودان، أدى الحكم العسكري إلى عقود من الحروب الأهلية والانقسامات. في مصر، هيمنة الجيش على الاقتصاد أدت إلى احتكار الموارد وتباطؤ النمو، بينما تحول القطاع الخاص إلى ضحية لسياسات لا تشجع التنافسية أو الابتكار. العراق أيضاً شهد انهياراً سياسياً واقتصادياً في ظل حكم العسكر، حيث اعتمد اقتصاده بشكل كامل على النفط، دون أي تنويع أو استثمار في البنية التحتية أو التعليم.
على النقيض، دول الخليج التي يحكمها مدنيون تقدم نموذجاً مختلفاً تماماً. الإمارات مثلاً، بفضل قياداتها المدنية التي تعتمد على التخطيط الاستراتيجي والخبرات الاقتصادية، أصبحت نموذجاً للنجاح في التنويع الاقتصادي، والاستثمار في التكنولوجيا والتعليم. المملكة العربية السعودية أيضاً، بقيادتها المدنية الحديثة، خطت خطوات كبيرة نحو إصلاحات اقتصادية واجتماعية شاملة ضمن رؤية 2030. هذه النماذج تبرز أهمية القيادة المدنية التي تضع الاقتصاد والتنمية في صلب اهتماماتها.
حتى تركيا تقدم درساً مهماً. عندما كان الجيش يهيمن على السياسة، عانت البلاد من انقلابات متكررة وتراجع اقتصادي. لكن مع تقليص دور العسكر وتحولها إلى قيادة مدنية منتخبة، شهدت تركيا نمواً اقتصادياً كبيراً وتقدماً في البنية التحتية والصناعات المتنوعة. هذه التجارب تؤكد أن حكم العسكر يعوق التنمية طويلة الأمد، بينما القيادة المدنية تفتح المجال أمام الابتكار والنمو المستدام.
ما يزيد الطين بلة في لبنان هو أن الرؤساء العسكريين غالباً ما يدخلون في صراع مع الطبقة السياسية التي أوصلتهم إلى الحكم، ما يؤدي إلى شلل تام في مؤسسات الدولة. هذه المواجهات المتكررة تعكس الطبيعة غير التوافقية للعسكر، الذين يرون في الحكم معركة يجب الانتصار فيها بدلاً من كونه شراكة تستلزم الحوار والإصلاح. تكرار هذه التجارب يعني إطالة أمد الأزمة واستمرار دورة الانهيار.
في كتابه الأمير، حذر نيكولو ميكافيللي من أن الحكم القائم على القوة وحدها محكوم عليه بالفشل، لأنه يفتقر إلى الاستدامة. لبنان اليوم بحاجة ماسة إلى رئيس مدني يمتلك رؤية اقتصادية واضحة وخبرة في الإصلاح المؤسسي، قادر على استعادة ثقة الداخل والخارج. استمرار هيمنة العسكر على الرئاسة يعني استمرار لبنان في الغرق. الجنرالات قد يكونون ضروريين في الميدان، لكنهم كارثيون في إدارة الدول، ولبنان لا يستطيع تحمل المزيد من الأخطاء.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان،
اضغط هنا