Beirut
16°
|
Homepage
ثلاثة لا يحق لهم الاحتفال بسقوط بشار الأسد
وليد خوري | الاثنين 09 كانون الأول 2024 - 12:50

"ليبانون ديبايت" - وليد خوري

ليس غريبًا أن تكون لحظة سقوط بشار الأسد مصدر فرحٍ لغالبية اللبنانيين والسوريين الذين عانوا لعقود من حكمه ونظامه القمعي. لكن الغريب، والمثير للسخرية، أن يتحول بعض الشخصيات اللبنانية إلى المحتفلين الأساسيين بهذا السقوط، وكأنهم كانوا في مقدمة المقاومين لهذا النظام. سمير جعجع، وليد جنبلاط، وسعد الحريري هم من بين هؤلاء الذين يحمل تاريخهم مزيجًا من التعاون مع النظام السوري أو الفشل الذريع في مواجهته، ما يجعل احتفالهم بسقوط الأسد محاولة يائسة لتبييض صفحاتهم السياسية.

من الضروري العودة إلى بعض المحطات التاريخية لفهم الإشكالية. في عام 2005، وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كانت هناك فرصة ذهبية للمجتمع الدولي، ومعه فريق 14 آذار، لتقويض النفوذ السوري في لبنان. حينها، رُفعت شعارات السيادة والاستقلال، لكن الزخم الشعبي والسياسي لم يواكبه أداء جدي على الأرض. سمير جعجع، الذي كان قد خرج من السجن حديثًا، صعد إلى الساحة كرمز لمعارضة النظام السوري، لكنه لم يقدّم أكثر من الخطابات السياسية، خصوصًا وأن صورته كانت قد تلطخت بعد زيارته إلى دمشق لتقديم العزاء بباسل الأسد أسابيع قبل دخوله المعتقل. تصريحاته مثل: "النظام السوري انتهى في لبنان ولن يعود"، بقيت أقرب إلى الأمنيات منها إلى الحقائق المدعومة بالأفعال.


أما وليد جنبلاط، فهو المثال الأبرز على تقلبات المواقف. بدأ حياته السياسية كتلميذ للنظام السوري، وانتقل إلى موقع المعارض الشرس بعد اغتيال الحريري، قبل أن يعود للتودد للنظام في مراحل لاحقة. تصريحه الشهير عام 2010: "التحالف مع سوريا ضرورة استراتيجية"، يلخص مدى تردده وتذبذبه في مواجهة النظام السوري. هذا النهج البراغماتي، الذي وصفه البعض بـ"الانتهازية"، أفقده مصداقيته لدى الجمهور اللبناني، الذي بات يرى في تحركاته محاولة دائمة للحفاظ على موقعه الشخصي بدلاً من تحقيق مصالح وطنية.

أما سعد الحريري، فإن سقوط بشار الأسد يعيد إلى الذاكرة أحد أكبر إخفاقاته السياسية. في أعقاب اغتيال والده، وبدعم دولي وخليجي غير مسبوق، كان الحريري في موقع يسمح له بقيادة مشروع سياسي قوي ضد النفوذ السوري وحزب الله. لكنه اختار طريق التفاوض والخضوع، وذهب إلى دمشق للقاء بشار الأسد، واصفًا الزيارة بأنها "خطوة شجاعة للمصالحة". هذه المصالحة لم تكن سوى اعتراف ضمني باستمرار الهيمنة السورية، وبدلاً من تحرير لبنان من هذه الهيمنة، سلم الحريري البلاد لمحور المقاومة بقيادة حزب الله.

اليوم، ومع سقوط الأسد، يظهر هؤلاء الثلاثة كأنهم أبطال هذا الإنجاز. لكن الحقيقة مختلفة تمامًا. سقوط الأسد لم يكن نتيجة جهودهم، بل نتيجة لتغيرات إقليمية ودولية، من بينها التدخل العسكري الروسي الذي أنقذ النظام في 2015 وأطال عمره، ثم التحولات الجيوسياسية التي أجبرته في النهاية على التراجع. هؤلاء لم يسقطوا الأسد، بل كانوا في أحيان كثيرة أدوات في مشروعه أو متخاذلين عن مواجهته.

لا يمكن الحديث عن سقوط الأسد دون الإشارة إلى إخفاقات المرحلة التي تلت اغتيال الحريري. من 2005 إلى 2024، عاش لبنان في ظل هيمنة حزب الله، التي ترسخت بسبب سوء إدارة الملف السوري من قبل جعجع، جنبلاط، والحريري. هذه الهيمنة لم تكن قدراً محتوماً، بل نتيجة مباشرة لعجز هذا الثلاثي عن مواجهة النظام السوري وحلفائه بجدية. غياب الاستراتيجية الموحدة، والتنافس على المناصب والمكاسب الشخصية، جعلهم شركاء في تكريس حالة الفشل السياسي التي يعاني منها لبنان حتى اليوم.

إن سقوط بشار الأسد هو عمل دولي وإقليمي بالدرجة الأولى، وليس نتيجة لجهود داخلية أو مبادرات لبنانية. الشعب اللبناني، الذي دفع ثمنًا باهظًا للهيمنة السورية-الإيرانية، لن ينسى أن هؤلاء الثلاثة كانوا جزءًا من المشكلة، وليس الحل. احتفالهم اليوم ليس سوى محاولة لتغطية إخفاقاتهم السابقة، لكن التاريخ لا يرحم، والذاكرة الشعبية لن تنسى من خان الأمانة أو عجز عن حماية البلاد في أحلك لحظاتها.

إذا كان سقوط الأسد يشكل لحظة أمل جديدة، فإن هذا الأمل يجب أن يكون مدروسًا وحذراً. الدرس الأهم هو أن من فشلوا في مواجهة الهيمنة السورية لا يمكن أن يكونوا رواد المرحلة المقبلة. لبنان يحتاج إلى وجوه جديدة، ورؤية جديدة، قادرة على استثمار هذه اللحظة التاريخية لتحقيق السيادة الحقيقية، بعيدًا عن الحسابات الشخصية والمصالح الفئوية.
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
لبناني يثير قلق إسرائيل ويصطاد جنودها في الخارج 9 "ما حدا بقا يجربنا"... صفا يتحدّث عن مكان وموعد تشييع نصرالله 5 بري لبن فرحان: بدك نحكي بغير مرشح؟ 1
السعودية: لا لرئيس "تهريبة" ومرشح قطر-تركيا خط أحمر 10 "مشروع تدميري"... صفا: الفيتو الوحيد بالنسبة لنا هو على جعجع 6 خيار سعودي ثانٍ غير قائد الجيش… انتخبوا الخميس وإلَّا! 2
رسالة رئاسية صارمة حملها "الوفد السعودي"! 11 العملية "زبدة"... الكشف عن تفاصيل دقيقة حول اغتيال نصرالله 7 تفاصيل مغادرة أفراد من "عائلة الأسد" عبر مطار بيروت 3
مدير مكتب الأسد الإعلامي يسرد تفاصيل زيارته الأخيرة إلى روسيا 12 "بري تعهّد بإجراءات المطار ووزير حزب الله كرّسها" 8 بعد "الفيتو على جعجع"... "القوات" تردُّ على صفا! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر