ليبانون ديبايت - ميشال نصر

على زيارته بنى الكثيرون آمالهم باعتبارها كسر للحصار، و"ميني سحسوح" للاميركيين وفقا لحسابات عاصمة الممانعة اللبنانية. فقائدة القارة العجوز قررت خلافا لارادة واشنطن وفي تحد واضح لها، ايفاد وزير خارجيتها الى بيروت ليعلن منها حزمة مساعدات تمد حكومة دياب بجرعة اوكسجين، كما توهموا، قبل ان تسقط احلامهم "بضربة دبلوماسية" ناعمة وخفيفة.

صحيح ان الزيارة تكتسب في الشكل اهمية، حتى في مواقفه المعدة للقراءة مسبقا. فهي تأتي في ظل تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي (بايحاء اميركي)، وعشية التمديد لقوات الطوارئ الدولية في الجنوب، حيث ينتشر مئات" الرهائن" 'الفرنسيين، في ظل وضع اقليمي متفجر ينذر بهبوب العواصف، وحالة داخلية اقتصادية - اجتماعية متفلتة، وانقسام سياسي عاد لعموديته السابقة، انتظارا لاحكام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في السابع من آب.

وسط كل ذلك تكشف مصادر متابعة للاتصالات التي تشهدها باريس في الكواليس، بين الدول المعنية بالوضع اللبناني، ان الرئيس ماكرون حصل على تفويض اميركي - بريطاني لنقل رسائل واضحة الى المعنيين في السلطة اللبنانية، غير قابلة للتفاوض او المناقشة، تقوم سياسيا على وجوب الالتزام بالحياد والذي سيتضمنه بيان مجلس الامن الدولي حول القرار 1701 وفقا لصيغة ضرورة الالتزام باعلان بعبدا السابق.

اما اقتصاديا ،فهو ضرورة تنفيذ الاصلاحات الجدية بعيدا عن المحاصصات المعتمدة، على ان تصدر في غضون اسابيع لائحة عقوبات اميركية - بريطانية بموجب قانون "ماغنتسكي" لمكافحة الفساد، حيث باتت اللوائح والملفات قاب قوسين او ادنى من الانجاز.

وحول ملف التجديد لليونيفيل علم ان الموقف الفرنسي يحمل اكثر من تاويل، خصوصا ان باريس لن تكون قادرة على مواجهة الضغط الاميركي وحدها، وسط مراجعة روسية لموقف موسكو. اما فيما خص" سيدر 1" فسألت المصادر ،كيف لفرنسا ان تعد بما لا تملك؟ فمساهمة الـ 11 مليار دولار هي في "صناديق" الاطراف التي تعهدت بها.

وتنهي المصادر متأسفة بأن طموح السلطة اللبنانية اليوم بات تأمين الاعتمادات لشراء الطعام والمحروقات والادوية، وهو ما تدرسه عمليا الجهات الخارجية تحت عنوان دعم الشعب اللبناني.

تبقى النتيجة الوحيدة التي خرج بها لبنان، الدعم للمؤسسات التربوية، والذي يبقى قرارا محض فرنسي مرتبط بحفاظ باريس على علاقاتها الثقافية بوابتها الوحيدة للتأثير في هذا البلد بعدما فقدت كل اوراقها الاخرى. اما دعمها للجيش والقوى الامنية فيبقى حبرا على ورق ما لم تتوافر الاموال اللازمة. فالقول الفرنسي المأثور معروف "ساعد نفسك يساعدك الله"، وهو على ما يبدو بعيدا في ظل اصرار حزبه على خلاف ذلك.

اللافت وسط "هذه المعمعة" ، ان وريث ملفات الوزير السابق ميشال سماحة، العامل على خط المخابرات الفرنسية، والذي اعتاد التغريد والاطلالات التلفزيونية، "متنبئا" بالقادم، "اختفى حسه" هذه المرة، قبل الزيارة، خلالها ومع نهايتها، في مؤشر واضح الى الاتجاه الفرنسي بعدم الاقدام لبنانيا، وابقاء الزيارة في اطار الاستطلاع والتحذير، حفاظا على ماء وجه الاليزيه الذي وجد نفسه غارقا في فخ وعود انجاز خطوات عملية على طريق الاصلاح نقلها سابقا السفير فوشيه ووقع ضحية تصديقها، لتجد باريس نفسها "مبلوفة"، غير قادرة على الغاء الزيارة، التي "حددها" الاميركيون كما جاءت.

اشارة الى ان المصادر تؤكد ان الزيارة حددت الاسبوع الماضي، حيث كانت مواعيد الكي دورسيه قد رسمت مسارها لتكون من بغداد الى بيروت، غير ان الحاجة لاقرار "شيء ما" دفع الى تأجيلها وفقا للمخرج الذي بدأ من جلسة مجلس الوزراء وينتهي اليوم مع مغادرة الضيف الفرنسي، الذي سيكون له كلام مختلف في الاسابيع القادمة.

"تيتي متل ما رحتي، مش متل ما جيتي"... انها خلاصة تقرير الوزير الفرنسي للايليزيه. فالضيف الذي وصل الى لبنان "دريان" بعض الشيئ بالمشاكل اللبنانية، غادر "مش دريان بشي"، بعدما دوخته المقرات الرئاسية والشخصيات التي التقاها في متاهات التاريخ والجغرافيا اللبنانية، وعربية الاصلاحات المعسولة.