Beirut
16°
|
Homepage
هذا انا جورج نادر.. معركة ادما والمغوار الذي يموت واقفاً ولا ينحني - الحلقة الرابعة عشر
المصدر: ليبانون ديبايت | الخميس 03 آذار 2016 - 10:32

ليبانون ديبايت - الحلقة الرابعة عشر من مذكرات العميد الركن المتقاعد جورج نادر

عند فشل هجوم القليعات الذي قامت به وحدات من اللواءين الثامن والخامس بنيّة فكّ الحصار عن أدما، أيقننا أن إمكانية وصول الوحدات الصديقة أصبحت صعبة. أخبرني منذ فترةٍ قصيرة، أحد القادة الميدانيين من ميليشيا القوات، أن عناصرهم إنسحبت بالكامل من الجبهة وتضعضعت لكن وحدات الجيش لم تتقدّم، القوة الضاربة في مديرية المخابرات، وقوى أخرى من فوج المغاوير تسللت إلى خلف خطوط القوات في فيطرون وداريا لضرب القوات من الخلف مفسحة لتقدّم وحدات اللواءين الثامن والخامس، وإستشهد الملازم أول ميلاد عيد من فوج المغاوير كذلك الرتباء جورج قرعة وعبدو التنوري، وإستشهد أيضاً النقيب أنطوان جريج من اللواء الخامس ( إبن دورتي )، لكن أحداً لم يتقدّم خطوة واحدة، ساتر ترابي " أعاق " تقدم الدبابات... والأسباب؟ إسألوا من الذي كان يدير تلك العملية.. وإسألوا أيضاً هل حوسب أحدَ على هذا الفشل؟

الإمرة القيادية كانت للصديق بسام، إبن الدورة لأنّه في الطليعة، وورد إسمه ثانياً في مرسوم الترقية. خطّطنا مع ضباطنا كيفية التسلّل من أدما عبر وادي "المعاملتين – غزير – دلبتا – وطى الجوز" ثم الإلتحاق بخطوط الصديق من المواقع الي تسمح بالتسلّل والإلتقاء بالقوات الصديقة، وذلك بعد تدمير الآليات والعتاد والذخائر، كون أدما تقع في منبسط محاط بتلال يسيطر عليها عناصر القوات والدفاع عنها مكلف للغاية.


عند الهجوم الأخير على أدما بتاريخ 17 شباط 1990 فجراً، أُغرِقت البقعة بقذائف المدفعية من العيارات كافة وقد قُدّر عددها بحوالي 40 ألف قذيفة سقطت على مساحة لا تتعدّى 3 كلم مربع.

بدأ الهجوم من محاور ثلاث :
• محور العقيبة – البوار – الصفرا – أدما وكان هجوماً ثانوياً
• محور المعاملتين – أدما وكان هجوماً تضليلياً
• محور فتقا – أدما حيث حشد المسلّحون قواهم الرئيسية

أُفيد عن خرق مركز ال Bel Horizon في تلال أدما، فتمّ غلق الثغرة بقوى الإحتياط المحلّية، نظر إلي بسام بقلق :
"طالع شوف شو الوضع وسكّر الجبها" ونظر إلي نظرة أحسستها للوداع، فقد إخترقت قلبي وجسمي ولم أدري لماذا وجّه إلي تلك النظرة؟ هل هو يقول لي "دير بالك ع الشباب وخلّيك واقف متل ما بعرفك ؟ "

توجّه بسام إلى البقعة لرفع "معنويات" العسكريين، وكانت قد أصيبت ملالة المضاد 23 ملم بقذيفة مدفعية عيار 130 ملم مباشر من مربض شننعير التابع للقوات، فأصيب الرقيب اول الياس شمعون آمر الملالة بجروح وحروق خطرة، لأن الطريق الوحيدة التي تصل معسكر أدما بمركز تلال أدما، مضروبة بالنار بواسطة المدفعية المباشرة والتي لا نملك وسائل إسكاتها نظراً لبعد المسافة.

ما إن وصل حتى اصابت الـ"جيب" خاصته قذيفة 130 ملم مباشرة أدّت إلى إستشهاده على الفور، مع مرافقه الرقيب جورج يزبك، القذيفة أصابت من بسام الرأس والأطراف بشظايا كبيرة وسامّة، أما الرقيب يزبك فإصابته لم تشوه منه الوجه ولا الجسد مع أنها كانت قاتلة.

ناديت بسام على الجهاز عدة مرات. دون جواب وبعد دقيقة إتصل بي مساعد آمر الفصيلة الرقيب أول بولس مسعود: ال 28 إستشهد.. وأنا هون.. (28 هو لقب آمر السرية الأولى في فوج المغاوير وكان لقبي 26). أحسست أن قطعة مني قد فارقتني إلى الأبد.

تسلّم إمرة المركز الرقيب أول بولس مسعود، رتيب شجاع يتمالك أعصابه ويحسن التصرّف في الأوقات الحرجة، لكن عند إزدياد الضغط على المركز، طلب مسعود التعزيزات، فأرسلتُ فصيلة الإحتياط بإمرة الملازم أول "جوزيف عون" وكنت قد أخبرته عن إستشهاد آمر سريته وأن الذخائر شحيحة لذلك عليه الإقتصاد بالرمايات. نفّذ المهمة بصعوبة لكن بشجاعة فائقة، فصمد المركز.

الهجوم الثانوي تمّ صدّه بسهولة، لكنّ زجّ القوى من قبل قيادة الميليشيا وإزدياد الضغط على مركز ال Bel Horizon عقّد الوضع الميداني فكان المشهد كالتالي :
خمسة شهداء: النقيب بسام جرجي قائد القوى، جورج يزبك مرافقه، حنّا بشور، يوسف الهاشم من معهد التعليم، شمعون ضاهر.
الجندي دوري ضاهر من سريتي شقيق الشهيد شمعون جاء إلى مخزن الفوج لنقل ذخيرة الـ " ماغ " (الرشاش البلجيكي حيث يوجد واحد في كل حضيرة ) فسألته:
"وين شمعون.."
"مات.."

قالها ببرودة وكأنه يخبرني عن موت شخص لا يعرفه البتة.. فصعقت للخبر كون الجندي شمعون هوحديث الخدمة وغير خبير بالأمور القتالية،
"أكيد أنت؟" وبعدما لاحظ دهشتي وحزني:
"إي سيدنا، وإزا كان مات شو هوي أحسن من دوري أبن أختك وشربل إبراهيم والكابتن جرجي؟"
عجزت عن الكلام، وفي لحظة مرّت صور كل الشهداء أمام عيني، سألت:
"يا ألله.. لماذا الحرب.. ؟ ولماذا مكتوب على أن أخسر كل من أحبّ؟"
كبُر هذا الجندي في عيني وخفت أن أخسره هو أيضاً لأنه أصيب بشظايا عدّة ولم يتوقف عن إطلاق النار ولم يذرف دمعة واحدة على أخيه الشهيد" في بعد رجال متلو اليوم..."

أقامت مدفعية الجيش سدّاً نارياً أمام المركز المهدّد. الذخيرة الإحتياط نفذت، ولم يبق إلا وحدات النار الموزّعة على العناصر وفي الآليات (مصفّحات وملالات ) كذلك مربض الهاون 81 ملم، فقد نفذت ذخيرته تماماً.

الإتصالات اللاسلكية مشوّشة بحيث لم أكن استطيع إرسال إفادة من جملة واحدة إلا على دفعات ولمدّة لا تقلّ عن عشر دقائق.كنّا قد نظّمنا " أوامر إشارة " أساسية وبديلة مع عشر تردّدات لكل أمر إشارة، تُكتب بخط اليد على 45 نسخة وتوزّع على المراكز ليلاً، لذلك كنّا نستطيع نقل وتلقّي الأوامر، ولو بصعوبة، بواسطة الأجهزة المركبة على الآليات بطريقة التنقّل بين التردّدات بواسطة شيفرة متّفق عليها.

لا بد لي من ذكر المقدّم " إدمون غانم " قائد معسكر تدريب الصفرا، الذ ي، وبالرغم من كونه يعلو قائد الفوج رتبة، كان يقاتل بشجاعة وحماسة الأحداث، فصمد معسكره بالرغم من إختلال ميزان القوى مع الميليشيا المهاجمة.

بعد إستشهاد بسّام، اصبحت إمرة سريته للملازم أول جوزيف عون، فقرّرت تطبيق خطّة الإنسحاب الراجلة وتفجير الآليات، وأعدينا الترتيبات اللازمة للإنسحاب التدريجي بالحضائر لكن قيادة الجيش كانت قد أقرّت إنسحاب القوى من أدما فأرسلت لهذه الغاية" لجنة الوساطة "بين الجيش وميليشيا القوات اللبنانية والمؤلفة من: المحامي "شاكر أبو سليمان" والمطران "خليل أبي نادر" والأباتي "بولس نعمان".

وصلت اللجنة في سيارة إسعاف تابعة للصليب الأحمر اللبناني وبأوامر واضحة من قيادة الجيش: الإنسحاب الكامل والفوري للقوى من أدما. إعترضت على فكرة الإنسحاب لكن الأمر جاء من العماد عون شخصياً، أجبت :
• "سيدي أنا لست مهزوماً، أحتاج إلى القذائف فقط، معنويات العسكريين ممتازة بالرغم من الخسارة الجسيمة في الأرواح"
لكن الأوامر هي الأوامر وما علينا إلا التنفيذ ، أغلب العسكريين بكوا قهراً رافضين التنفيذ:
• "ليش نحنا خسرانين تا بدّن يسحبونا؟"

سالت الأباتي نعمان:
• "ومن يضمن لنا الطريق؟
• "نحنا" أجاب الأباتي نعمان، إستحصلنا على تعهّد بعدم التعرّض لكم.
• أنا لا أثق بأحد، أنتم ضمانتي، لذلك: الأباتي نعمان يصعد في الآلية التي يأمرها الملازم أول عون، والمطران ابي نادر في الآلية التي يأمرها الملازم اول دياب، والمحامي ابو سليمان في السيارة التي أكون فيها، وإذا قام عناصر القوات بأي عمل على الطريق، فأول من يُقتل هو أنتم، تجهّمت وجوه أعضاء اللجنة جرّاء اللهجة الحازمة و" الوقحة " وسمعت الأباتي نعمان يتكلّم على الجهاز اللاسلكي مع العماد عون:
• "ضابط مجنون وما بيحترم حدا".. (اليوم، الأباتي نعمان أطال الله بعمره من الأصدقاء الذين أعتزّ بصداقتهم).

تمّ ترتيب القافلة من آليات عسكرية ومدنية توجّهت من أدما بإتجاه المعاملتين – يسوع الملك صعوداً حتى "داريا" والدخول في جهازية الصديق.

رغم إعتراض لجنة الوساطة، وإصرار قيادة الجيش وبالتالي قيادة الفوج على الإنسحاب الفوري، أصرّيت على إصطحاب الجرحى وجثامين الشهداء والآليات كافّة، إلا الرقيب "بسام رزق" الذي ترجّل من آليته حاملاً رشاشه "الماغ " وكان يتجاوز الآليات وكلَ يعتقد أنه صعد إلى الآلية التي خلفه، إلا أنه لم يصعد البتّة: فضّل البقاء والإنتقام لشقيقه دوري الذي إستُشهد في بداية المعارك، وهكذا كان: شقيقه في البداية، والنهاية كانت إستشهاده هو. وقد أخبرني السكان لاحقاً أن بسام رزق بقي في أدما لحين دخول المسلحين إليها فكمن لهم وحصلت معركة غير متكافئة أصيب بنتيجتها إصابة بالغة، لكن عمد المسلحون إلى قتله بالخناجر.

لا بد من ذكر حادثة حصلت مع القافلة عند حاجز ال Winners في المعاملتين:
عند وصول سيارتي التي كانت أول القافلة ترجّل المحامي شاكر ابو سليمان ( رحمه الله ) وخاطب ألمسؤول : Mon general بدي عرفك ع " الكابتن " نادر.
• "أنت الكابتن نادر؟"
• " إي.."
• "ماعرفتني"
• "مبلا أنت الرائد "مالك"
• " أنا الجنرال مالك (قال هذا وفق "رتبته " في ميليشيا القوات)
• "أنا بعرفك الرائد المتقاعد فؤاد مالك.. " أدار ظهره ومشى غاضباً.

لكن الرائد مالك أنقذ الموقف الخطر، وأعترف له بالمبادرة السريعة والشجاعة:
خلال مرور الآليات التي تقل عناصر المغاوير على الحاجز، وكنت واقفاً على الحاجز للتأكد من مرور الآليات بسلامة، إذا بقذيفة " آر بي جي " تنطلق في الهواء عن طريق الخطأ من قبل أحد عناصر القوات، فإستدارت مدافع المصفّحات والرشاشات "الملقّمة" من قبل آليات المغاوير بإتجاه الحاجز، ولوهلة تخيّلت أن كل الذين على الحاجز سيموتون بلحظة واحدة بمن فيهم أنا ومرافقي "غسان الراعي وجوني عبدو".
الرائد مالك ركض إلى الوسط رافعاً يديه صارخاً: " بالغلط بالغلط منّا نحنا ما حدا يقوّص."
مبادرة شجاعة أنقذت من مجزرة حقيقية.

إن ما أراح ضميري لاحقاً في هذه المعركة أمران :

• لم نساوم، ولم نتراجع ولم نرضخ للإغراءات والتهديدات، قاتلنا بشرف وبسالة مع إدراكنا للواقع الميداني السيّء تحت الحصار، والتمركز الجغرافي لوحدات المدفعية التابعة للقوات بحيث تستطيع "إصطياد" اي هدف بالرمايات المباشرة دون التعرّض للخطر كونه لم يكن لدينا أسلحة ترمي على المسافات البعيدة، ليس أكثر من 3 كلم حدّ أقصى. وقد أخبرني لاحقاً أحد ضباط المدفعية الذي أحبه وأحترمه وكان مدربي في المدرسة الحربية، الرائد عبدو عطالله أنه سمع على التنصّت، رامي المدفعية في القوات " يشارط" زميله لاسلكياً أنه يستطيع تدمير أعمدة الكهرباء في أدما مقابل لوح من الشوكولا، وقد ربح "الشرط".

• إن كل الشهداء التسعة الذين سقطوا، كانت إصاباتهم جميعاً قاتلة، حتى ولو كنا في غرف عمليات أحدث المستشفيات. لم يستشهد أحد متأثراً بجراحه، حتى الذين اصيبوا بجراح بليغة كالرقيب أول جوزيف إسكندر والرقيب طنوس حنّا الذي اصيب بشظايا بليغة في أنحاء جسده وفي وجهه.

(في الحلقة القادمة حرب الالغاء من الرابح ومن الخاسر.)
المقدم ادمون غانم و الملازم اول جورج نادر
الملازم اول جوزف عون
الرائد بسام جرجي
الرائد الشهيد المغوار بسام جرجي
النقيب الشهيد ميلاد عيد
الرائد الشهيد انطوان جريج
الرقيب الشهيد جورج يزبك والرقيب الشهيد حنا بشور
العريف الشهيد محمد زود
المؤهل الشهيد يوسف الهاشم
الجندي الشهيد شمعون ضاهر
الرقيب الشهيد عبدو تنوري والرقيب الشهيد جورج قرعة
العميد بسام عيسى والسيد انيس والد الشهيد بسام جرجي خلال افتتاح حديقة شهداء فوج المغاوير
انضم الى قناة "Spot Shot by Lebanon Debate" على يوتيوب الان، اضغط هنا
الاكثر قراءة
"كمين غادر"... مقتل 14 عنصر من "الداخلية السورية" على يد "رجال الأسد"! 9 بعد أن قتل زوجته...تصرف صادم من القاتل! 5 جريمة تهز كترمايا... الاعلامية ضحية زوجها! 1
"قد نضطر لاتخاذ إجراءات قاسية"... رئيس بلدية يناشد القوى الامنية بالتحرّك! 10 متجهون إلى تصعيد خطير... عميد يحسم الخيار لوقف اسرائيل عند حدها! 6 الإعلام الإسرائيلي يكشف عن وثائق لقوة "الرضوان"... مخاوف في إسرائيل 2
وهاب: ما يجري مذبحة حقيقية! 11 اشتباكات بين حزب الله وعناصر إدارة العمليات العسكرية السورية (فيديو) 7 مستجدات جريمة شحيم ...هكذا عثر على زوج الاعلامية المغدورة! 3
اختراق غير مسبوق... الجيش الإسرائيلي أفشل خطط حزب الله 12 محمد كنجو حسن... تعرفوا على "حليف الأسد" الذي أشعل اشتباكات طرطوس 8 إستياء من قائد الجيش 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر