كشفت صحيفة التلغراف البريطانية تفاصيل مثيرة حول اللقاء الذي وصفته بـ"الأكثر غرابة" في السياسة الدولية منذ سنوات، والذي جمع بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على هامش جنازة البابا فرنسيس في الفاتيكان، يوم السبت الماضي.
الاجتماع، الذي لم يكن معلنًا عنه مسبقًا، استمر نحو 15 دقيقة، وشهد مناقشة عدد من القضايا ذات الطابع الحساس، في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، ووسط تصاعد التوترات الجيوسياسية التي تشهدها أوروبا والولايات المتحدة.
وفي تصريحات مقتضبة أعقبت اللقاء، قال الرئيس الأوكراني: "كان اجتماعًا جيدًا. تمكنا خلال اللقاء الثنائي من مناقشة الكثير من القضايا. نأمل أن تؤدي كل الأمور التي تحدثنا عنها إلى نتائج". وأضاف: "كان لقاءً رمزيًا للغاية، يحمل إمكانية أن يصبح حدثًا تاريخيًا إذا تمكنا من تحقيق نتائج مشتركة. شكرا لك، الرئيس دونالد ترامب!".
بحسب التلغراف، فإن مشهد جلوس ترامب وزيلينسكي وجهًا لوجه في إحدى زوايا كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان، شكّل لحظة غير مألوفة في مشهد السياسة الدولية، خصوصًا أن اللقاء تم خلال مناسبة جنائزية ذات طابع ديني وروحي، بحضور زعماء من مختلف أنحاء العالم.
ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية مطلعة أن ترامب هو من دفع بقوة نحو عقد هذا اللقاء الثنائي، حيث أبدى فريقه رغبة واضحة في إجراء محادثة مباشرة مع زيلينسكي، حتى لو كان ذلك في سياق غير تقليدي مثل جنازة بابا الفاتيكان.
وبحسب ما نقلته الصحيفة عن مصدر مطلع، فإن الأميركيين "أرادوا القيام بذلك"، في إشارة إلى إصرار فريق ترامب على عقد اللقاء بأي شكل ممكن.
وبالرغم من الطابع المفاجئ للقاء، أشارت الصحيفة إلى أن المسؤولين الأوكرانيين ناقشوا في وقت سابق، خلال محادثات السلام الأخيرة في لندن، فكرة استغلال الجنازة كفرصة لعقد لقاء مباشر بين ترامب وزيلينسكي. إلا أن فريق زيلينسكي كان قلقًا من الصورة العامة التي قد يعكسها مثل هذا اللقاء، خاصة في هذا السياق الحساس.
وخلافًا لما قد يبدو، لم يكن للندن أو رئيس وزرائها كير ستارمر أي دور رسمي في ترتيب اللقاء. وأوضحت الصحيفة أن ستارمر لم يطلب ولم يكن يتوقع عقد اجتماع فردي من هذا النوع، بينما كان يمشي إلى جانب الأمير ويليام داخل الكنيسة، عندما التقيا بمجموعة من القادة والزعماء.
وتُبرز التلغراف أن الأمير ويليام تصرف بحكمة، إذ سمح للزعيمين بالابتعاد قليلًا للحديث على انفراد. حيث انفصل ترامب وزيلينسكي عن الوفد الرئيسي، وسارا إلى زاوية الكنيسة حيث قام موظفو الفاتيكان، وهم يرتدون أردية سوداء، بوضع ثلاثة كراسٍ بشكل سريع ومفاجئ.
وقبل بدء المحادثة، اقترب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الزعيمين، وصافح زيلينسكي بحرارة، ثم لمس ذراع ترامب بطريقة ودية. لكن، ووفقًا لما نقلته الصحيفة عن قارئ شفاه استندت إليه وسائل إعلام بريطانية، فإن ترامب خاطب ماكرون بالقول: "لا يجب أن تكون هنا، أحتاج منك أن تسدي لي معروفًا، لا يجب أن تكون هنا"، في إشارة إلى رغبته في إجراء اللقاء بشكل خاص تمامًا.
وتمت إزالة الكرسي الثالث، وسط تساؤلات عمن كان مخصصًا له، وهل كان لماكرون، أو لرئيس الوزراء البريطاني، أو ربما لمترجم فوري. لكن مصادر دبلوماسية فرنسية نفت وجود توتر، موضحة أن الكرسي كان مخصصًا للمترجم، وليس لماكرون، الذي "شجع ترامب على لقاء زيلينسكي"، وساهم في "تسهيل" اللقاء من دون أن يتولى تنظيمه.
ويأتي هذا اللقاء في لحظة فارقة من الحرب الروسية الأوكرانية، وفي ظل تصاعد الانتقادات الغربية ضد بعض مواقف ترامب السابقة بشأن أوكرانيا. فقد سبق للرئيس الأميركي السابق أن اتُهم خلال فترة رئاسته بممارسة ضغوط على زيلينسكي لفتح تحقيقات بحق جو بايدن ونجله هانتر، وهي القضية التي كادت أن تؤدي إلى عزله في 2019.
وعلى الرغم من انتهاء ولايته، لا يزال ترامب يحظى بنفوذ واسع في السياسة الأميركية، وهو حاليًا المرشح الأوفر حظًا عن الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر 2024، ما يجعل لقائه مع زيلينسكي حدثًا يحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز اللحظة.
ورغم الطابع الجنائزي للمناسبة، فقد تحول الفاتيكان إلى مسرح دبلوماسي هادئ، شهد عدة محادثات غير رسمية بين قادة العالم، في طليعتهم ماكرون، وويليام، وستارمر، إضافة إلى الوفود الأميركية والأوكرانية. وقد وفرت أجواء الفاتيكان، حسب ما ذكرت الصحيفة، "غطاءً روحياً" مناسباً لعقد لقاءات لم تكن لتتم في سياق رسمي آخر.
حتى الآن، لم تتضح نتائج هذا اللقاء غير الرسمي، ولا ما إذا كان سيفتح صفحة جديدة في العلاقة بين ترامب وأوكرانيا، أو سيشكل بداية لمسار مختلف في تعاطي الجمهوريين مع الملف الأوكراني، خاصة في ظل نقاش داخلي محتدم في الولايات المتحدة حول استمرار دعم كييف في حربها ضد روسيا.