أعادت الضربة الإسرائيلية للضاحية الجنوبية إلى الضوء الخطر الجدي الذي تقف أمامه الساحة الداخلية، والتي تنزلق بشكل تدريجي من مسار التعافي في كل المجالات إلى مسار التصعيد، في توقيت مريب إسرائيلياً أولاً، وإقليمياً ودولياً ثانياً، حيث أن المفاوضات الثنائية الأميركية ـ الإيرانية بشأن الملف النووي الإيراني، إنتقلت إلى محطة جديدة من حيث الشكل والمواقف، فيما تشهد ساحات المواجهة بين الجانبين، ومن بينها الساحة اللبنانية، إحتداماً وأزمات سياسية وعسكرية.
على هذه الخلفية، يبقى الأخطر في استهداف ضاحية بيروت الجنوبية، أنه غير مرتبطٍ بأي حدث أمني، بل في خضمّ انقسام سياسي داخلي حول سلاح "حزب الله"، وصولاً إلى ما يشبه بداية اصطفافٍ سياسي يستحضر مراحل سابقة من التصعيد والسجالات التي تحمل وظيفةً عابرة للحدود اللبنانية.
ويتعيّن في هذا المجال، الإقرار بأن ليس ما يتمّ التداول به في العلن، يعكس الواقع الحقيقي للأمور، لأن ما ينقله مطلعون على المناخات الدبلوماسية الأميركية، يحدّد الجوانب الغامضة من المواجهات الحالية ومن القرار الدولي عموماً والأميركي خصوصاً، بعدم السماح ببقاء الوضع على ما هو عليه منذ تشرين الثاني الماضي عندما تمّ توقيع اتفاق وقف النار، وذلك على الرغم من أن هذا الإتفاق حصل بالتوازي مع منح واشنطن لإسرائيل حرية الحركة على كل الأراضي اللبنانية من أجل "ضبط" كل ما تعتبره "تهديداً لأمنها".
ومن الثابت، وفق المطلعين، أن اجتماعاً تحقّق منذ 27 تشرين الثاني الماضي على رفض القوى السياسية الداخلية جميعها العودة إلى الحرب التي يهدّد بها بنيامين نتنياهو لبنان و"حزب الله"، إنما بالمقابل، فإن رقعة الإنقسام تتّسع وتكرّسها يومياً المواقف التي تطالب بوضع آليات لتطبيق القرارات الدولية، قبل أن تنجح إسرائيل في فرض أمرٍ واقع أمني جديد، ورسم قواعد اشتباك جديدة بفعل ورقة الضمانات الغامضة والسرية، الممنوحة لها من الولايات المتحدة الأميركية.
وبعد ضربة الضاحية بالأمس، يعترف المطلعون بأن المواجهة الدبلوماسية التي سُجلت غداة الإعتداء الإسرائيلي، قد غطّت كل جوانب هذا التطوّر وركّزت على الطرف الأساسي وهو لجنة المراقبة الدولية العسكرية، وتوصّلت إلى عرض الموقف اللبناني من الإعتداء الذي يخرق وقف النار، فيما لبنان لا يزال يحترمه.
من هنا، فإن الدولة اللبنانية ليست عاجزة أو مقيَّدة على حدّ قول المطلعين، لكنها ما زالت في مرحلة إعلان النوايا وإجراء الإتصالات من أجل وضع برنامجٍ زمني لاستكمال المراحل المتبقية من عملية بسط سيادة الدولة على كل أراضيها، وضمناً فتح حوارٍ مع الحزب ومع القيادات الفلسطينية في مخيمات لبنان من أجل حصر السلاح بيد الأجهزة الأمنية الرسمية.
ومن شأن عودة شبح استهداف الضاحية وتلويح نتنياهو بالمزيد من الإعتداءات، أن تسرّع الحراك الداخلي كما العمل الدبلوماسي باتجاه عواصم القرار الغربية، من أجل الضغط على إسرائيل للإنسحاب من الأراضي التي ما زالت تحتلها في الجنوب، ووقف انتهاكاتها لوقف النار وإطلاق الأسرى اللبنانيين.