خاص ليبانون ديبايت

عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت
الاثنين 28 نيسان 2025 - 07:04 ليبانون ديبايت
عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت

رسالة "نار" إلى المقاومة والرئيس عون

رسالة "نار" إلى المقاومة والرئيس عون

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح


انطوت الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية، أمس، على جملة رسائل سياسية وعسكرية معقدة، تتجاوز الطابع الميداني المباشر وتبلغ إبقاء الضاحية خاصة ولبنان عامةً في وضع حربي كامل. وإلى جانب محاولات العدو تثبيت معادلة ما بعد الحرب الأخيرة – والقائمة على حرية الحركة واستمرار الضغط العسكري – حملت الغارة إشارات استراتيجية تتصل بالوضع الإقليمي، خصوصاً في ظل الحديث المتنامي عن اتفاق نووي محتمل بين الولايات المتحدة وإيران.


تسعى إسرائيل عبر هذه الغارة إلى ترسيخ واقع عسكري يضع لبنان عموماً، والضاحية خصوصاً، في حالة استنزاف دائم، وذلك بعد أن أتمت تل أبيب تجاوز كل بنود اتفاق وقف الأعمال العدائية، وألغت، بالممارسة، مفاعيل القرار 1701. فالهدف لا يقتصر على ردع المقاومة أو اختبار مدى قوة وصلابة قواعد الاشتباك، بل يمتد إلى تكريس قدرة إسرائيل على التلاعب في الوضع السياسي الداخلي، من خلال استخدام القوة العسكرية، لا سيما عند التقاطعات، وأن في وسعها تخريب أي احتمالات للاتفاق الداخلي لا ينسجم مع أهدافها، هذا إلى جانب محاولتها إبقاء بيئة المقاومة تحت ضغط ونزف مستمرين، بما ينعكس سلباً على جهود إعادة الإعمار التي لا تستقيم في ظل بقاء ظروف الحرب والاستهداف قائمة، ويؤخر أي محاولات لالتقاط الأنفاس داخلياً.


الأخطر من ذلك أن الغارة تحمل رسالة مباشرة، مفادها أن إسرائيل غير معنية بأي نتائج إيجابية قد تترتب على الاتفاق النووي الأميركي – الإيراني المرتقب. بل تسعى إسرائيل لتحييد نفسها عن أي تسوية إقليمية محتملة، عبر الحفاظ على حرية تحركها العسكري في لبنان. ويبدو أن واشنطن، من جهتها، قد تكون مستعدة لمنح إسرائيل هذا الهامش و”تنفيسها” بالقدر الكافي، تفادياً لاعتراضاتها المستمرة على المسار التفاوضي أو احتمالية قلبها الطاولة. وتشير معطيات إلى أن تل أبيب أبلغت واشنطن ريبتها من أي انعكاس إيجابي للاتفاق المحتمل، تحديداً على وضعية حزب الله في لبنان. وعلى الرغم من أن واشنطن طمأنت تل أبيب بأن الاتفاق ليس في هذا الوارد، تحتاج إسرائيل إلى أن تبقى يدها عالية ومتاح لها التحرّك في أي لحظة لضمان علو يدها، لأجل ما تسميه منع حزب الله من التعافي.


اللافت أن الغارة بالأمس، لم تُسبق بأي عمل عسكري مباشر خرج من الأراضي اللبنانية يمكن اعتباره ذريعة كما حصل قبل فترة وجيزة، ما يكرس علو يد إسرائيل فوق القرار اللبناني، ويعيد إلى الأذهان الغارة الشهيرة على الضاحية التي أتت ردًّا على إطلاق صواريخ، وأسست لواقع أعطى العدو هامشاً واسعاً لاستهداف الضاحية بلا ضوابط.


الغارة الأخيرة ليست مجرد عمل عسكري منفصل، بل تندرج في سياق استراتيجية لإبقاء بيئة حزب الله تحت وطأة التهديد الدائم والشعور بالاستهداف وضغط استمرار الحرب وعدم الشعور بالأمان. الضغط على الضاحية هو ضرب لمركز ثقل الحزب السياسي والاجتماعي والقيادي، ورسالة إلى قيادته بأن المعركة لم تنته، وأن حالة التأهب يجب أن تبقى مستمرة.


في البعد الداخلي، توفر الغارة مادة دسمة لدعاة “نزع سلاح المقاومة”، عبر تكريس خطاب يصور حزب الله باعتباره عبئاً على لبنان وبيئته الشيعية، وأنه مستمر في عملية التسليح التدريجي على الرغم من خطاب الدولة اللبنانية الذي يؤكد خلو منطقتي الضاحية وجنوب الليطاني من أي أسلحة. فكل غارة أو استهداف يُعاد توظيفه لشيطنة المقاومة، وتحفيز خصومها السياسيين، وتعزيز مشروع إحداث اختراقات في صفوف بيئتها، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية البلدية والنيابية.


مرة أخرى، تكشف الغارة ضعف الموقف الرسمي اللبناني الذي لا يزال عاجزاً عن تصحيح الخلل الذي أنتجته الحرب الأخيرة. السلطة القائمة، المنبثقة في جزء منها عن نتائج تلك الحرب، تواجه ضغطاً متزايداً لدفعها نحو مزيد من التنازلات. ويزداد المأزق مع استمرار الخطاب الرسمي حول “جمع السلاح” تحت كنف الدولة، في وقت يدفع فيه العدو باتجاه فرض شروطه بالنار متجاهلاً أي محاولات لبنانية في هذا الصدد، مستغلاً ارتباك الداخل اللبناني.


وفي ظل الحديث المتفاقم حول حصول حوار ثنائي بين حزب الله ورئاسة الجمهورية للوصول إلى توافقات حول السلاح ورفض الرئاسة الذهاب نحو نزع السلاح بالقوة، يبدو واضحاً أن العهد الحالي بات هدفاً مباشراً للضغط الإسرائيلي كتعبير عن رفض تل أبيب لهذه الصيغة أو أي صيغة أخرى مشابهة، بل التعبير عن نيتها بأنها تريد المزيد. فرغم تبني العهد خطاباً أكثر تماهياً مع مطلب “ضبط السلاح”، إلا أن إسرائيل تتعامل مع ذلك بفوقية، معتبرة أن أي حوار حول سلاح حزب الله يمس بعمق بنتائج الحرب الأخيرة.


وسط هذا المشهد، تبدو الدولة اللبنانية أمام لحظة حرجة تتطلب منها إعادة صياغة خطابها السياسي واستراتيجيتها التفاوضية. ولا بد لها من أن تفكر جدياً في كيفية استثمار أوراق القوة لخلق توازن ولو طفيف أمام الضغوطات الإسرائيلية. ومن هنا، يُفهم السبب الذي أملى على رئيس مجلس النواب نبيه برّي، رفض فكرة تسليم السلاح، كورقة قوة وحيدة، طالما أن العدو يرفض الانسحاب من الأراضي المحتلة، ووقف غاراته، وتسليم الأسرى.


عملياً، يؤكد الوضع الراهن بأن إسرائيل مستمرة في استهدافاتها، وتتمتع بـ”قبة باط” أميركية واضحة، ويعزز هذا الوضع المناخ الذي يشير إلى أن لبنان بات مفتوحاً على مزيد من التصعيد، لا على التهدئة، بما يعيد إلى المقاومة والدولة معاً مشروعية الرد.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة