خاص ليبانون ديبايت

روني الفا

روني الفا

ليبانون ديبايت
الأحد 27 نيسان 2025 - 11:00 ليبانون ديبايت
روني الفا

روني الفا

ليبانون ديبايت

مُهَفهَفون طائفيًا.. فالِجْ لا تُعالِجْ

مُهَفهَفون طائفيًا.. فالِجْ لا تُعالِجْ

"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

غالبًا ما يَغلِبُني جوابٌ مفقود على سؤالٍ دائم: ما هو سببُ الإصرارِ العنيد لدى فئةٍ من اللبنانيين على " نزعِ " سلاح المقاومة؟ يقابلُه جوابٌ أكثرُ افتقادًا لسؤالٍ أكثر استدامة: لماذا تُكالُ الأحقادُ ضدَّ أولئك المدافعين عنه( سلاح المقاومة) فَيُجَرَّدونَ على فم المتحاملين من دينِهِم وانتمائِهم الوطني؟ وبالطبع مجموعةٌ كبيرةٌ أخرى من الأسئلة تتمحورُ حول عدمِ اتساعِ الوجدانِ النقدي في بلدنا للحوار بين متخاصمين على المسائل الوطنية وكيف أنَّ الموضوعَ محسومٌ بين سياديين وغيرِ سياديين دون أن يكون هناك ما يطيحُ بهذا الشريطِ الشائكِ بين هذا وذاك من المتخاصمين.


الأمرُ يتخذ طابعًا دراميًا في الحقيقة حينما ننقلُ هذه الأسئلةَ إلى وسائلِ الإعلام فنشهدُ على داحسَ والغبراء بين فلانٍ وعلتانٍ حيث لا يربحُ من صراعِ الديوك سوى الوسيلة المستضيفة التي تحسبُ أنَّ النزالَ بين " داني لَنش" و " پرنس كومالي" سيزيدُ من عددِ المشاهدات. تتحوّلُ حينذاك ( أو يتمُّ التحويلُ عنوةً ) الديوكُ الصيَّاحةُ إلى مادةٍ إعلانية في توك شو رخيص.


منذ مدةٍ بدأتُ أتفكَّرُ في مسألةٍ تتعلّقُ بالظهورِ العلني. هل هناك جدوى من أيِّ حوارٍ بين الأنا والآخَر فقط من أجل تنميةِ أحقادِ المشاهدين قبل أن أقطعَ الشكَّ بيقينِ أنه ربما من الأفضل لأيِّ ضيفٍ رصينٍ أن يشترطَ استضافَتَه منفردًا عوضَ أن يضعَه المُعِدُّ في مواجهةِ خَصمٍ لا هدفَ له سوى كَيل الشتائِم.


ويزيدُ من قناعتي حول هذا الأمر اكتشافي المتأخر من أن أغلبَ خلافاتِ الرأي حول سلاحِ المقاومة( وهو الدارج اليوم) يتأتى من الأحقادِ الطائفية الدفينة التي لا تجد لها متنفسًا للتفجر إلا على وسائل الإعلام.


الايجابيةُ الوحيدةُ لهذا الانحطاط تكمنُ ربما في أنَّ المنبرَ يتحوّلُ إلى علاجٍ سيكولوجي من الذُهان ( névrose ) أو العُصاب ( psychose) ويتيحُ سبرَ أغوارِ النفسيةِ المريضةِ لبعضِ اللبنانيين ( لبنانيون ؟ المسألة فيها نظر).


أتلقى الكثيرَ من الرسائلِ النصيةِ على هاتفي التي تخرجُ عن نطاقِ اللياقات بين أهلِ التواصُلِ الحضاري. أتخطى الإساءةَ في اللغةِ شكلًا محاولًا فهمَ المَضمون. " التّْرَنْدْ" هو سلاحُ حزبِ الله. لا أحد من هؤلاء المتحمسين لالتقاط الفرصة المؤاتية يربطُ بين " نزعِ " السلاح وضماناتِ لبنان التي يطلبُها للحفاظ على سيادته. لا أحد من هؤلاء يثيرُ مسألةَ احتلالِ اسرائيل لتلالِ لبنانَ الخمس. لا أحد يذكرُ استردادَ الأسرى. لا أحد يذكر مزارعَ شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر. لا أحد يذكُرُ النقاطَ المُختلف عليها في ترسيمِ الحدود. لا أحد يذكر ضرورةَ اعادة إعمار الجنوب. أغلب هؤلاء يتماهون مع الشروط الاسرائيلية والضغوط الدولية. تجِدُ نفسَك أمامَ معادلةٍ صعبة للغاية. أن تبقى على قناعاتك وتُنبَذ أو أن تبدِّلَ من قناعاتك فتصبح جزءًا من "النسيج الوطنيّ".


تكتشف ( وهذا قابل للنقاش) أنَّ المسألة تتعلق أولًا وأخيرًا بقناعة طائفية راسخة بأن " هؤلاء" لا يريدون العيشَ مع الآخر. هم مستعدون من دونِ أيِّ تأنيبِ ضميرٍ سياديٍ على حذفِ الجنوب من الخارطة. حذف البقاع. حذف الضاحية. تجريدُها من لبنانيتها. بحجة اتهامها بأنها إيرانية أو يمنية او سورية أو عراقية أو منتمية إلى أي قطر أو جهة يحذفونَ الأرضَ وينكرونَ أنها لبنانية. لا بأس بالنسبة اليهم أن تكون مساحةُ لبنان تسعة آلاف كيلومتر مربع بدل عشرة الآف و٤٥٢ كيلومتر مربَّع. لا بأس أن يكون خمسة آلاف أو ثلاثة الآف كيلومتر على أن يكون منظَّفًا عرقيًا ومنقّى دينيًا ومُعَرَّبًا طائفيًا ومهَفهَفًا مذهبيًا. طروحات اللامركزية والفدرالية تنطلق من هذه الهَفهَفة لا من أي منطلق آخَر.


موقف رئيس الجمهورية حول سلاح المقاومةِ يثيرُ حفيظةَ المُهفهَفين. يريدون الرئيس مُهَفهَفًا طائفيًا. بين موقفه الداعي إلى حوارٍ حول الحصرية والاستراتيجية وبينَ موقف أميركا وإسرائيل يدعمون أميركا وإسرائيل. فالِج لا تعالِجْ.


عُدنا إلى معضلة التشابه واللا تشابُه. يشبهُنا ولا يشبهُنا. نشبهُه ولا نشبهُه. حتى القول المأثور " ويخلقُ من الشّبه أربعين" لا يستسيغُهُ مَن لا يُشبِهونَ أحدًا. من لا يشبهونَ سوى أنفسِهِم. مَن شُبِّهَ لهم أنهم أنصافُ آلهةٍ لا ينقصُهُم سوى الارتقاء إلى مرتبة آلهِة بالتمام والكمال.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة