"ليبانون ديبايت" - فادي عيد
يمكن القول إن تبادل الرسائل "المشفّرة" بين بيروت وطهران قد تمّ، وصفحة استدعاء السفير الإيراني مُجتبى أماني مرتين إلى وزارة الخارجية قد طُويت، إنما مرحلة جديدة من العلاقات الدبلوماسية قد بدأت بين البلدين، ترتسم ملامحها بوضوح من خلال الخطاب الإيراني، الذي قد يلحظ تراجعاً في الحديث عن سلاح "حزب الله"، أو تصعيداً ولو بلغة دبلوماسية ناعمة.
وتبدو الصورة اليوم، وبعد هذا الإستدعاء، مشوبةً ببعض الغموض، فيما الأمر الواقع الدولي والإقليمي الذي ستفرضه مجريات حوار طهران – واشنطن، هو الكفيل بإخراج الموقف الإيراني من كل ثوابته السابقة في لبنان. وباللغة الدبلوماسية، من المفيد العودة إلى إتفاقية فيّينا للعلاقات الدبلوماسية الصادرة في عام 1961، والتي نصّت في المادة 29 على أن تكون "حرمة شخص المبعوث الدبلوماسية مصونة، ومنحته حصانات وامتيازات منصوص عليها في المواد من 29 إلى 36، فيما فرضت المادة 41 على جميع المتمتّعين بالإمتيازات والحصانات، أي الدبلوماسيين المعْتمدين لدى الدولة المضيفة، إحترام قوانين هذه الدولة المضيفة وأنظمتها وعدم الإخلال بها، كما أوجبت عليهم عدم التدخّل في شؤونها الداخلية، والتعامل مع الدولة المضيفة في ما يتعلّق بالأعمال الرسمية، أن يجري مع وزارة الخارجية أو عن طريقها". وأكثر من ذلك، فإن البند 3 من هذه المادة، وينصّ على أنه "يجب ألاّ تُسْتخدم دار البعثة بأية طريقة تتنافى مع وظائف البعثة كما هي مبيّنة في هذه الإتفاقية أو في غيرها من قواعد القانون الدولي".
ورداً على السؤال البديهي عن وظائف البعثات الدبلوماسية، يقول السفير الدكتور في القانون العام جان معكرون ل"ليبانون ديبايت"، إن المادة 3 بند 1 من اتفاقية فيينا المذكورة، أوضحت أن أهمّ وظائف البعثة الدبلوماسية تتمحور حول الآتي: تمثيل الدولة الموفدة في الدولة المضيفة وحماية مصالحها ومصالح رعاياها ضمن الحدود التي يقرّها القانون الدولي، وكذلك التفاوض مع حكومة الدولة المضيفة، إضافة إلى استطلاع الأحوال والتطورات فيها بجميع الوسائل المشروعة، وتقديم التقارير اللازمة الى حكومة الدولة الموفدة. ومن أبرز هذه المهام تعزيز العلاقات الودّية بين الدولتين، وإنماء علاقاتهما الإقتصادية والثقافية والعلمية.
يتضّح ممّا تقدّم أن الحصانات والإمتيازات المُعطاة للمعتمد الدبلوماسي قد منحها القانون له، والهدف بحسب السفير معكرون، أن "يقوم بوظائفه المحدّدة في المادة 3 بند 1 المذكورة أعلاه، وبالتالي يترتّب على الدبلوماسي سواء كان سفيراً أو رئيس بعثة أو قائماً بالأعمال أن يتقيّد بها".
إلاّ أن الجزاء المترتّب على المعتمد الدبلوماسي في حال أخلّ بمهامه لجهة عدم احترامه قوانين الدولة المضيفة وأنظمتها، وعلى الأخصّ إذا تدخّل في شؤونها الداخلية، فهو وفق السفير معكرون، " أنْ تستدعي الدولة المُضيفة رئيس البعثة المعنية أو من يقوم مقامه، وتلفت نظره إلى أنه خالف قوانينها أو تدخّل في شؤونها الداخلية، وأن تطلب منه الكفّ عن تصرفاته هذه بحجّة تهديد العلاقات الوديّة بين البلدين".
أمّا إذا استمر المعتمد الدبلوماسي في تكرار تدخّله في الشؤون الداخلية للدولة المضيفة، وكذلك في عدم احترام سيادتها وقوانينها، عندها يؤكد معكرون أنه "يحق لها أن تبلّغ الدولة الموفدة أو المرسلة أن موظفها الدبلوماسي غير مرغوب فيه Persona no grata، وعلى الدولة الموفدة عندئذٍ أن تستدعي الموظف المعنيّ، وفي حال لم تقم بذلك فإن الدولة المضيفة تطلب من الموظّف المخالف أن يغادر أراضيها ضمن مهلة محدّدة، وهذا يعتبر بمثابة عمل سيادي للدولة".
وعليه، يستنتج السفير معكرون بأنه "يتوجب على الدبلوماسيين المعتبرين وسطاء شرفاء في خدمة البلدين، أن يخدموا دولهم في سبيل تعزيز العلاقات الودّية بين الدولتين ليس فقط على الصعيد السياسي بل أيضاً على الصعيدين الإقتصادي والثقافي".
ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنه عند قيام الدولة المضيفة باستدعاء المعتمد الدبلوماسي الذي "خالف قوانينها وتدخّل في شؤونها الداخلية"، فإن الموقف المتوقّع اتخاذه من قبل الدولة الموفدة مجابهةً لهذا الإستدعاء، فالرّد قد يكون هادئاً ودبلوماسياً حسبما يوضح معكرون، بحيث "تُبدي الدولة الموفدة أسفها لما حصل وتنتهي المشكلة عند هذا الحدّ، إلا إذا اعتمدت الحلّ التصعيدي فتقوم بسحب دبلوماسييها من الدولة المضيفة، وقد يستتبع ذلك ردًّا مماثلاً من قبل الدولة المضيفة، مما يفسح المجال أمام قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين".