يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني أحمد الحيلة في حديث الى "ليبانون ديبايت" أن المفاوضات الآن تمر في حالة استعصاء ومراوحة إلى حد كبير، بسبب انتهاك إسرائيل المحتلة للاتفاق الموقّع في كانون الثاني من هذا العام، ورفض الالتزام بمقتضياته؛ فالاحتلال رفض بدء مفاوضات المرحلة الثانية في اليوم 16 من تنفيذ المرحة الأولى، كما انتهك البروتوكول الإنساني بمنع دخول البيوت المتنقلة والخيام والمعدّات الثقيلة لرفع الأنقاض، كما عطّل ترميم المستشفيات، ودخول الأجهزة الطبية.
وعندما تدخّل الوسطاء واقترح الوسيط الأمريكي ستيف ويتكوف اتفاقاً محدوداً بإطلاق سراح خمسة أسرى لتحريك عجلة المفاوضات، ولتحفيز رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على اسئناف المفاوضات، كما يوضح الحيلة، قام الاحتلال الإسرائيلي أثناء نقاش المقترح، باستئناف العدوان على قطاع غزة، في 18 آذار الماضي لتخريب مسار المفاوضات، ولاستمرار الحرب، وهذا ما تبدّى جلياً في كلمة نتنياهو في آخر يوم من أيام عيد الفصح اليهودي، عندما قال مخاطباً الرأي العام الإسرائيلي، بأنه لا يريد وقف الحرب لأن القبول بشروط حماس سيعني هزيمة لإسرائيل، واتهم الإسرائيليين الذين يدعون لوقف الحرب لإطلاق سراح الأسرى (وهم الأغلبية بنسبة 70% من الرأي العام الإسرائيلي، ناهيك عن 140 ألفا من الموقّعين على عرائض ترفض استمرار الحرب من الجيش والأجهزة الأمنية والأكاديميين..) اتهمهم بأنهم يخدمون حركة حماس. مشدّداً في خطابة على تمسّكه بتحقيق النصر المطلق بالقضاء على حركة حماس، وعدم الانسحاب من قطاع غزة ولبنان وسوريا بذريعة حماية سكان إسرائيل وإعادة رسم الشرق الأوسط، كما جاء في خطابه.
ويوضح أنه بعد توقّف المفاوضات، لا سيّما بعد وضع الاحتلال الإسرائيلي المزيد من الشروط، تتعلق بإعادة انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة (احتلال القطاع)، ومطالبته بنزع سلاح المقاومة، وذلك في معرض ردّه على ورقة الوسطاء في 28 آذار الماضي، وهي شروط لم ترد في اتفاق وقف إطلاق النار الأصلي الموقع في كانون الثاني من هذا العام، يقوم الوسطاء ولا سيّما الوسيط القطري بجهد ومسعى لاستئناف المفاوضات، وبالامس 22 نيسان ، قام رئيس وزراء قطر وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بزيارة إلى واشنطن للقاء وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، ومبعوث الرئيس الأمريكي للمنطقة ستيف ويتكوف ليناقش معهما وفق الحرب على غزة وإدخال المساعدات.
كما يشير في السياق نفسه وبالتزامن مع هذه الزيارة، قام الرئيس ترامب باتصال هاتفي مع بنيامين نتنياهو لمناقشة عدة ملفات من بينها الوضع في قطاع غزة، وذلك حسب مصادر أمريكية وإسرائيلية تحدّثت إلى موقع أكسيوس الأمريكي وموقع واللا الإسرائيلي.
ويرى أن هذه إشارة لرغبة الوسطاء باستئناف المفاوضات وتقديم مقترحات يمكن أن تؤدي لوقف الحرب وإدخال المساعدات المتوقّفة بالكامل منذ أكثر من 50 يوماً، ما أدّى إلى تفاقم المجاعة حسب تقارير الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية.
ويعتبر ان هناك فرصة لإمكانية استئناف المفاوضات لوقف العدوان وسياسة التجويع في غزة، نتيجة الضغوط الدولية على إسرائيل، وضغط الرأي العام الإسرائيلي على نتنياهو، وربما أيضاً رغبة لدى الإدارة الأمريكية المعنية بالتهدئة أو الوصول لاتفاق قبل زيارة الرئيس ترامب إلى السعودية والمنطقة.
في هذا السياق، يشير أيضاً إلى عدة مسائل يتم الزج بها أحياناً من الطرف الإسرائيلي تارة للتعجيز ورغبته بتعطيل المفاوضات، وتارة للمناورة التفاوضية برفع السقف، ومنها:
نزع سلاح المقاومة.
خروج حركة حماس والمقاومة من قطاع غزة.
إعادة الانتشار في قطاع غزة عبر أحزمة ومحاور عسكرية دائمة.
ويؤكد أن حركة حماس والمقاومة الفلسطينية بدورها حاسمة بشأن وقف إطلاق النار بشكل دائم وانسحاب كامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة، وعدم نقاش فكرة الخروج من غزة ونزع سلاح المقاومة، فحماس كما كل حركات المقاومة تعتبر نفسها جزءاً من الشعب، وباقية على أرضها بموجب الحقوق التاريخية والقانون الدولي، وستبقى، حسب مواقفها المعلنة، مقاومة حتى زوال الاحتلال، وسلاحها سيبقى للدفاع عن الشعب الفلسطيني حتى زوال الاحتلال، وعندما تقوم الدولة الفلسطينية يصبح سلاح المقاومة سلاحاً للدولة.
ولكنه يستدرك بأن حركة حماس ولتذليل العقبات تطرح على طاولة المفاوضات فكرة الهدنة لـ 5 سنوات قابلة للتجديد باتفاق سياسي، لنزع ذريعة الخشية من هجوم مباغت على إسرائيل كهجوم السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى)، وهي فكرة خلّاقة كما يراها البعض، ولكن العقدة تبقى لدى بنيامين نتنياهو الذي يخشى من وقف الحرب، لأنه سيؤدي لانهيار ائتلافه الحكومي، وتسريع محاكمته أمام القضاء بتهم الفساد ما قد يفضي به إلى السجن.
كما ينبّه الى أن حياة نتنياهو السياسية كزعيم ورئيس للوزراء ستنتهي مع أول انتخابات قادمة لأن استطلاعات الرأي تشير على تراجع شعبيته، وبأنه واليمين المتطرف سيشكّلون أقلية في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، ما يعني انتهاء أحلامه بزعامة تاريخية لإسرائيل ودخوله في غيبوبة سياسية أو غياباً قسرياً عن حلبة السياسية بسجنه بتهمة الفساد.
ويجّزم بأن كلمة السر تبقى بيد الإدارة الأميركية، وبيد الرئيس ترامب، ويعتقد أن واشنطن وإن أعطت ضوءاً أخضر لاستئناف العدوان والتجويع لغزة، إلا أن ذلك من الصعوبة بمكان استمراره في ظل فشل جيش الاحتلال الإسرائيلي مجدّداً في حسم المعركة عسكرياً وخشيته من الحرب البرية في ظل امتناع نحو 50% من الاحتياط عن الاستجابة للتجنيد، مقابل تماسك الجبهة الفلسطينية واستعداد المقاومة لصد العدوان، وهذا ما ظهر في عمليات كتائب القسام على الحافة الأمامية الشمالية والشرقية لقطاع غزة وإيقاعها خسائر بشرية في صفوف جيش الاحتلال بين قتيل وجريح، وهذا ما تخشاه قيادة أركان جيش الاحتلال، وتخشاه العائلات الإسرائيلية التي باتت تؤمن بأن هذه الحرب بلا جدوى وهي باتت قائمة لأسباب شخصية تتعلق باستدامة نتنياهو في السلطة، وليس لأسباب أمنية تتعلّق بإسرائيل.