في ما يخص قانون السرية المصرفية، يُشار إلى أن التعديلات التي أُقرّت في مجلس النواب يوم الأربعاء الفائت (تعديل المادة 7 بنود هـ و د)، أزالت الالتباس الذي تضمنه مشروع القانون الصادر في عام 2022. فقد كان النص آنذاك يحصر رفع السرية المصرفية بمصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف فقط في سياق إعادة هيكلة القطاع المصرفي وممارسة دورهما الرقابي، مع السماح بتبادل المعلومات بين الجهتين لهذه الغاية.
أما التعديلات الجديدة (نيسان 2025)، فوسّعت الصلاحيات لتشمل رفع السرية “بشكل كامل وغير مقيّد” تجاه مصرف لبنان ولجنة الرقابة، سواء في إطار العمل الرقابي أو لتنفيذ أي دور آخر مناط بهما. وهذا يعني أن رفع السرية لم يعد مقتصرًا على عملية إعادة الهيكلة فقط.
ثغرة قضائية
يرى خبراء أن هذه التعديلات ضرورية لإتمام عملية إعادة هيكلة المصارف، بما يتيح تدقيق الموجودات وتقدير الفجوات المصرفية، وفهم العمليات المالية التي جرت في السنوات التي سبقت الأزمة. كما أن التعديلات تُطبق بأثر رجعي، أي على حسابات تعود إلى ما قبل 10 سنوات.
لكنهم في المقابل يشيرون إلى وجود “ثغرة” قد تُضعف من فعالية القانون، وهي إمكان تقديم اعتراض أمام قاضي الأمور المستعجلة، ما قد يُستخدم كوسيلة لعرقلة التعاون مع السلطات الرقابية.
منيمنة: صلاحية الاعتراض لا تعني التعطيل
يوضح النائب إبراهيم منيمنة في حديث لـ”ليبانون ديبايت”، أن هذه الفقرة كانت موضع نقاش خلال جلسات اللجان، وكان هناك توجه لإلغائها، وقد دعا شخصيًا لذلك خشية استخدامها لتعطيل عمل الرقابة. لكنه لفت إلى أن “لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان يملكان صلاحية المبادرة دون إلزام بإبلاغ الشخص المعني قبل رفع السرية عنه”. وبالتالي، فإن الاعتراض حق قانوني، لكن لا يتطلب تبليغًا مسبقًا.
وأشار إلى أن “صندوق النقد لم يعلّق على هذه الفقرة حتى الآن، ولو كانت لديه ملاحظات لكنا على علم بذلك”، مشددًا على أنه كان يفضّل شخصيًا إلغاءها بالكامل.
بطرس: القضاء ضمانة ضد التعسف
من جهته، يشرح المحامي راضي بطرس أن إدراج هذه الفقرة يهدف إلى ضمان حق الأفراد باللجوء إلى القضاء كمرجع يحسم قانونية رفع السرية، ويتحقق من عدم وجود تعسف أو نية للتشهير. ويضيف أن هذه الطلبات تُعرض على قاضي الأمور المستعجلة للبت السريع فيها ضمن “غرفة المذاكرة”، ويجب أن يكون اعتراض الأفراد مبررًا وقائمًا على أسس قانونية واضحة.
كما يشير إلى أن هذه الفقرة تنطبق على الأفراد لا على الشركات، فيما يتوقع أن يركّز صندوق النقد بشكل أساسي على رفع السرية عن الشركات المتعاقدة مع الدولة، مثل المقاولين ومؤسسات مجلس الإنماء والإعمار، حيث تكون مستويات الهدر أعلى.
ويختم بالإشارة إلى أن “رفع السرية المصرفية سيكون بمفعول رجعي يغطي السنوات العشر السابقة لتاريخ إقرار القانون، لا لنشره في الجريدة الرسمية”، لافتًا إلى أن “الثغرة الثانية” تكمن في نص يتيح لوزير المالية إصدار قرارات تفسيرية حول تطبيق القانون، ما قد يفتح الباب أمام تأويلات متباينة.
غبريل: الأولوية للإصلاح الشامل لا التفاصيل
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الأبحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل أن صندوق النقد يركّز على إقرار القانونين كحزمة واحدة، ولن يتوقف عند تفاصيل مثل الاعتراض القضائي. ويعتبر أن الأهم هو الحفاظ على “السرية المهنية” ومنع استخدامها لأغراض التشهير أو التصفية السياسية.
ويشدد غبريل على أن الإصلاح لا يمكن أن يكون جزئيًا، بل يجب أن يشمل مختلف القطاعات، من استقلال القضاء إلى بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، ووقف تصدير الممنوعات، وترميم العلاقات مع دول الخليج، إلى جانب ضبط السلاح غير الشرعي وتحديد من يملك قرار الحرب والسلم.
ويختم بالقول: “منذ 2020، يُركّز صندوق النقد على القطاع المصرفي، لكن يجب ألّا يكون ذلك على حساب الإصلاح السياسي والإداري الشامل، لأن الحل لا يمكن أن يكون ماليًا فقط”.