خاص ليبانون ديبايت

ليبانون ديبايت
الأربعاء 23 نيسان 2025 - 07:11 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

صواريخ الجنوب: هل يستدعي القضاء قادةً من “حماس”؟

صواريخ الجنوب: هل يستدعي القضاء قادةً من “حماس”؟

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

لا تزال قضية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه الأراضي المحتلة تتفاعل، وسط تحقيقات تجريها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، انطلقت عقب توقيف شاب لبناني من منطقة المزرعة في بيروت من قِبل المديرية العامة للأمن العام. وقد تبيّن أنّ بصماته تطابقت مع آثار رُفعت من إحدى منصّات الصواريخ المستخدمة، ما أدّى إلى كشف هوية ستّة مشتبه فيهم، بالتعاون بين الجهازين الأمنيين. أُوقف اثنان منهم وأُودعا لدى مديرية المخابرات حيث خضعا للتحقيق بإشراف القضاء المختص، فيما توارى الأربعة الآخرون عن الأنظار ولا يزال البحث جارياً عنهم.

ما يجري لا يُعدّ حادثة أمنية عابرة، بل يكشف عن تعقيدات تتجاوز الطابع الجنائي، لتطال بنية الفعل المقاوم وحدود الفعل الفردي ضمن سياق يُفترض أنّه مضبوط بحسابات دقيقة. فقد أقرّ الموقوفون بانتمائهم إلى حركة “حماس” بعد تحقيقات مطوّلة، مؤكدين أن إطلاق الصواريخ تمّ بمبادرة شخصية، كردّ مباشر على العدوان الإسرائيلي على غزة وجنوب لبنان، من دون قرار من القيادة التنظيمية.


إلّا أن سياق العملية – بدءًا من نقل الصواريخ إلى ما بعد نهر الليطاني، مرورًا بظروف النقل والإطلاق، وانتهاءً بتجهيز المنصات واختيار الموقع والتوقيت – لا يوحي بأن ما جرى كان فعلاً عفويًّا.


وهنا تبرز المفارقة: كيف لمجموعة غير مدعومة تنظيمياً أو لوجستياً أن تنفّذ عملية بهذا المستوى من التنسيق؟ وإذا كانت قيادة “حماس” في لبنان غير معنية، فلماذا تتهرّب من التواصل مع السلطات اللبنانية والتعاون مع التحقيق، رغم الوساطات التي حاولت تسهيل ذلك؟ ما الذي تخشاه الحركة؟ وهل نحن أمام انشقاق تكتيكي داخل “حماس”، أم أن ثمة قراراً غير معلن باستخدام الجنوب كورقة ضغط، من دون تبنٍّ رسمي؟


تشير المعلومات الأمنية إلى وجود خلية موجّهة من عناصر يقيمون في مخيمَي عين الحلوة والرشيدية جنوباً، لكن الغموض لا يزال يلفّ هوية “المشغّل” أو المشرف المباشر، إذ قدّم الموقوفون أسماء متضاربة، ما يفتح الباب أمام احتمالين: إما جهل فعلي بالهوية، أو تكتّم مقصود.


فعليًّا، لم تُحقّق عمليات الإطلاق مكاسب عسكرية أو سياسية تُذكر، بل أتاحت لإسرائيل توسيع نطاق عدوانها ليطال مناطق في الجنوب وحتى الضاحية الجنوبية لبيروت، ما تسبب بسقوط شهداء مدنيين، وزيادة الضغط على المقاومة، وأثار تساؤلات حول مدى ضبط الساحة الجنوبية التي يُفترض أنها تخضع لتفاهمات دقيقة منذ عدوان أيلول 2024.


الأخطر هو الربط المحتمل بين خلية الإطلاق وخلية “التخزين” التي كُشف عنها في بلدة عقتنيت (قضاء الزهراني) قبل أيام، حيث عُثر على مستودع يحوي منصات وصواريخ مشابهة لتلك التي استُخدمت في عمليّات الإطلاق. وقد قيل إن الخلية كانت بوارد تنفيذ عملية جديدة. هذا الترابط يُشير إلى وجود بنية تحتية لوجستية لم تُنشأ بين ليلة وضحاها، ما يُضعف رواية “الرد العفوي”.


وبحسب المعلومات، تمكّنت مديرية المخابرات من توقيف أربعة أشخاص (في حين تُشير بعض المصادر إلى خمسة)، على خلفية مستودع عقتنيت، استنادًا إلى معطيات توافرت بعد اكتشاف المخبأ. وأظهرت التحقيقات أن الموقوفين لم يكونوا ضالعين مباشرةً في عملية التخزين، لكن كلًا منهم قدّم خدمات لوجستية ضمن إطار محدّد. اللافت أن هؤلاء أيضًا، رغم انتمائهم إلى “حماس”، لا يعرفون هوية “المشغّل” الحقيقي، تمامًا كما هو حال المجموعة الأولى، ما يُعزز فرضية “الخلايا العنقودية”.


في ظل هذا المشهد، يُطرح سؤال جوهري: أين “حزب الله” مما جرى؟ تُجمع المعطيات الأمنية والسياسية على أن الحزب لم يكن على علم بهذه العمليات، ولم يغطّها. بل تشير مصادر مطّلعة إلى أن الحزب، الذي يدير حساباته بدقة، لا يبدو مستعداً للدخول في مواجهة شاملة حاليًا، بالنظر إلى تعقيدات المشهد الإقليمي. والسؤال المطروح: إذا كان “حزب الله” لا يريد التصعيد، فلماذا تسعى “حماس” – أو على الأقل جناح ضمنها – إلى ذلك؟


تبدو “حماس” وكأنها تحاول الاستثمار الميداني من بوابة الجنوب، ربما لتحسين شروط التفاوض أو لتأكيد حضورها في معادلة الردع، لكن بطريقة أقرب إلى المغامرة منها إلى التخطيط المدروس. وهو فعل يُنظر إليه على أنه أضرّ بالمقاومة أكثر مما أفادها، وأدخل الأمن اللبناني في موقف حرج، بات يُحتّم عليه الحفاظ على التوازن بين ضبط الأمن وتجنّب الصدام مع المخيمات الفلسطينية أو الفصائل العاملة فيها.


وتشير مصادر قانونية إلى أن القضاء، الذي أبدى انفتاحًا على التعاون مع “حماس”، لا يزال يحتفظ لنفسه بحق استدعاء من يراه مناسبًا من قادة الحركة في لبنان، للاستماع إليهم بشأن علاقتها بالموقوفين ومدى انتمائهم الفعلي إليها. لكنه يتجنّب اتخاذ أي خطوة حالياً، ويفضّل ترك المجال للوساطات، تفاديًا لأي تصعيد أو سوء تفسير قانوني أو سياسي.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة