اعتبر خبراء ومحللون سياسيون أن تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت بشأن صورة كاذبة لنفق في محور فيلادلفيا جنوب غزة، تأتي في إطار الصراع السياسي وتمهد لانهيار داخلي في إسرائيل.
وكان غالانت قد قال في تصريحات نقلتها عنه هيئة البث الإسرائيلية، إن الصورة التي نشرها الجيش الإسرائيلي كانت كاذبة، واستُخدمت حينها لتسويق وجود أنفاق في محور فيلادلفيا من أجل المبالغة في أهمية هذا الطريق، ولتأخير صفقة تبادل المحتجزين.
وتعود الصورة المذكورة إلى أغسطس الماضي، حين نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، وزعمت تل أبيب حينها أنها اكتشفت نفقًا ضخمًا للمقاومة الفلسطينية على الحدود مع مصر، يبلغ عمقه عشرات الأمتار تحت الأرض.
وتحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية آنذاك عن "إنجاز كبير" يتمثل في اكتشاف النفق الضخم المكوّن من 3 طوابق، الذي قيل إنه جزء من البنية التحتية تحت الأرض، والتي أدهشت الجنود الإسرائيليين.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون أن تصريحات غالانت تندرج ضمن سياق التصدعات الداخلية المتزايدة داخل المنظومة السياسية الإسرائيلية.
وأشار المدهون، في تصريحات خاصة لموقع الجزيرة نت، إلى أن هذه الاعترافات، رغم صدورها عن شخصية لم تعد في موقع حكومي، فإنها تحمل وزنًا نسبيًا كبيرًا نظرًا لخلفية غالانت الأمنية والعسكرية، ودوره السابق في صناعة القرار الأمني خلال مرحلة حساسة.
وأوضح أن غالانت، ورغم اصطفافه في المعارضة، فإنه لا يمتلك اليوم سلطة تنفيذية ولا تأثيرًا مباشرًا على قرارات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو على بنية القيادة الأمنية والعسكرية الحالية، مشددًا على أن تصريحاته تأتي في إطار المناكفات السياسية وتسجيل النقاط الداخلية، أكثر من كونها أدوات تغيير فعلي في مجريات الأحداث.
وأضاف أن تراكم هذه التصريحات من شخصيات بارزة في الأمن والسياسة - سواء من داخل الحكومة أو خارجها - يزيد الضغط على حكومة الاحتلال، ويكشف حجم التباينات داخلها، مما يُضعف الرواية الرسمية التي تحاول إسرائيل ترسيخها أمام جمهورها المحلي والدولي.
ويتوقع المدهون أن تمهد تصريحات غالانت لانهيار تدريجي في جبهة الثقة الداخلية الإسرائيلية، وتوفر فرصة ثمينة للمقاومة الفلسطينية لاستثمارها في معركة الرواية، وفضح التناقضات الإسرائيلية، والتشكيك في مصداقية الحرب وأهدافها.
وأضاف أن إسرائيل، التي طالما بنت صورتها على احتكار القوة والحقيقة، تواجه اليوم مشهدًا داخليًا متشظّيًا تتعدد فيه الأصوات المنتقدة، ويضعف فيه منطق الإجماع، مما يجعل من تصريحات غالانت وأمثاله أدوات غير مباشرة في تعميق الشرخ الداخلي وضرب الهيبة السياسية والعسكرية لحكومة الاحتلال.
وفيما يتعلق بالتأثير المحتمل لهذه التصريحات، رأى المدهون أنها تفضح زيف المبررات التي استندت إليها إسرائيل في استهداف رفح واستمرار العدوان عمومًا، في ظل اختلال موازين القوى وهيمنة الولايات المتحدة ودعمها المطلق للاحتلال.
ويؤكد المدهون أنه، مع ضعف الموقف العربي وغياب التركيز الدولي على الحرب، فمن غير المتوقع أن يحدث تغيير مباشر على المدى القريب، متوقعًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيواصل الحرب مستفيدًا من الغطاء الدولي والانقسام الداخلي الذي لا يزال في إطار المناكفات السياسية، دون أن يصل إلى حد التأثير الفعلي على القرار السياسي أو المسار العسكري.
بدوره، اعتبر أستاذ العلوم السياسية محمد غازي الجمل أن تصريحات غالانت تكشف عن المدى الذي وصلت إليه الخلافات بين الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة العسكرية والمعارضة، وتأتي في سياق استمرار التسريبات المتبادلة، التي يسعى فيها كل طرف إلى تقويض موقف الطرف الآخر.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أضاف الجمل أن هذا المستوى من التصريحات يُعد غير مسبوق، ويشير إلى مدى الاضطراب السياسي والأمني داخل دولة الاحتلال، ويتسق مع تحذيرات الرئيس الإسرائيلي ورئيس المعارضة يائير لابيد من مخاطر الحرب الأهلية والاغتيالات.
وبيّن أستاذ العلوم السياسية أن من شأن تصريح كهذا أن يُضعف الموقف السياسي والإعلامي لحكومة الاحتلال، ويعزز موقف المعارضة الداعية إلى إتمام صفقة التبادل، ولو كان الثمن وقفًا نهائيًا للحرب.
لكن الجمل أكد أن استجابة نتنياهو لذلك ستكون أمرًا مشكوكًا فيه، لما يمتلكه من أغلبية في الكنيست، ودعم يميني يدفع باتجاه الاستمرار في الحرب، ولكن مع تراكم المواقف في الاتجاه المعارض ذاته، قد تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها في وضع يجبرها على التوصل إلى تسوية سياسية توقف الحرب، حسب رأيه.