أطلقت وفاة البابا فرنسيس، اليوم الاثنين، مرحلة دقيقة ومعقّدة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، إيذانًا ببدء ما يُعرف بـ"الفترة الانتقالية البابوية"، وهي العملية التي تمزج بين التقاليد الدينية العريقة والإجراءات المُحدثة لاختيار البابا الجديد.
ووفقًا للطبيب الفاتيكاني أندريا أركانجيلي، فإن البابا توفي عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد سكتة دماغية وفشل قلبي لا يمكن الرجوع عنه، وقد دخل في غيبوبة قبيل وفاته.
منذ لحظة الوفاة، بدأت "نوفندياليس"، وهي تسعة أيام من الحداد الرسمي، تتخللها قداديس يومية في كاتدرائية القديس بطرس، حيث يُعرض جثمان البابا للعزاء. من المتوقع أن تُقام أيضًا فعاليات رمزية في بوينس آيرس، المدينة التي ترعرع فيها فرنسيس.
ويُدفن البابا بين اليوم الرابع والسادس من وفاته، وتُختتم مراسم الحداد بجنازة حاشدة داخل الفاتيكان يحضرها قادة سياسيون وروحيون من حول العالم.
بعد انتهاء الحداد، يجتمع الكرادلة المؤهلون (أقل من 80 عامًا وعددهم حالياً 136) في "المجمع السري" داخل كنيسة سيستين لاختيار خليفة فرنسيس. ويبدأ التصويت عادة بعد 15 إلى 20 يوماً من الوفاة، لكن قد يُعجّل إن وصل الجميع مبكرًا.
داخل القاعة المغلقة، يُدوّن كل كاردينال اسم مرشحه على بطاقة اقتراع تحت عبارة "Eligo in Summum Pontificem"، أي "أنتخب الحبر الأعظم". يُشترط حصول أحدهم على ثلثي الأصوات ليُعلن بابا جديد.
تُجرى أربع جولات تصويت يوميًا، مع يوم راحة بعد الجولات الأولى للصلاة والتشاور، وإذا تعذّر الاتفاق، يُستأنف التصويت بجولات إضافية.
تبقى أعين العالم شاخصة إلى مدخنة كنيسة سيستين، إذ يُحرق الاقتراع بعد كل جولة. الدخان الأسود يعني فشل الاتفاق، أما الأبيض فهو الإشارة الأهم: "لقد اختير البابا الجديد."
وبعد لحظات من تصاعد الدخان الأبيض، يظهر البابا المنتخب من شرفة كاتدرائية القديس بطرس، يُعلَن اسمه البابوي، ويمنح أول بركة للعالم.
تتجه الأنظار لاختيار بابا يُمثّل 1.3 مليار كاثوليكي حول العالم. وقد فاجأ انتخاب فرنسيس العالم في 2013 باعتباره أول بابا غير أوروبي منذ قرون، وأكثر انفتاحًا في مواقفه الاجتماعية مقارنةً بأسلافه، خاصة تجاه المثلية وعقوبة الإعدام.
لكن الكنيسة لا تزال تواجه تحديات عميقة، أبرزها فضائح الاعتداءات الجنسية التي لطّخت سمعتها لعقود، ما يجعل سجل المرشحين في هذه القضايا محل تدقيق كبير.
في عام 2013، نشرت مجموعة من ضحايا الاعتداء قائمة "الـ12 القذرين" تضم أسماء كرادلة اعتُبروا غير جديرين بتولي المنصب. واليوم، وإن تجاوز معظمهم السن القانوني أو توفوا، فإن اختبار الشفافية والعدالة لا يزال قائمًا.
تظل عملية انتخاب البابا مشهدًا فريدًا من نوعه: مزيج من طقوس عمرها قرون، وقرارات تتأثر بواقع سياسي، اجتماعي، وروحي متغير. وستكون شخصية البابا الجديد، توجهاته، ومدى استعداده لإصلاح الكنيسة، العامل الحاسم في رسم ملامح المرحلة المقبلة للفاتيكان والعالم الكاثوليكي.