منذ اعتلائه السدّة البابوية في آذار 2013، لم يغب لبنان يومًا عن قلب البابا فرنسيس، الذي لطالما عبّر عن محبّته العميقة لهذا الوطن الصغير بحجمه، الكبير برسالته وتنوّعه، ففي كل محطة سياسية أو إنسانية أو روحية، كان للبنان مكانٌ ثابت في كلمات البابا ومبادراته، تأكيدًا على دور هذا البلد كجسر فريد بين الأديان والثقافات، في أولى إطلالاته البابوية، وصف البابا فرنسيس لبنان بـ"بلد الرسالة"، مشدّدًا على فرادته كنموذجٍ للعيش المشترك والتعايش السلمي بين مختلف الطوائف.
وهي عبارة ظلّ يردّدها في أكثر من مناسبة، متمسكًا بضرورة الحفاظ على التعددية التي تمثّل "قوة لا ضعفًا".
وفي عام 2018، أشاد الكرسي الرسولي باستقبال لبنان لمئات الآلاف من اللاجئين، معتبراً أن كرم اللبنانيين وتوازنهم الطائفي يشكّلان عنصر استقرار فريد في المنطقة.
وفي هذا السياق، ثمّن البابا فرنسيس دور الكنيسة المارونية والكنائس المحلية في الحفاظ على هذا النسيج المتنوّع.
أما بعد انفجار مرفأ بيروت الكارثي في 4 آب 2020، فلم يتأخر البابا في التعبير عن تضامنه الكامل مع الشعب اللبناني، إذ تبرّع بمساعدة مالية عاجلة، داعيًا العالم إلى الوقوف بجانب لبنان في محنته، ومع كل ذكرى سنوية للانفجار، كان يوجّه نداءات للعدالة والحقيقة، رافضًا طيّ الصفحة دون محاسبة ومصارحة، وفي تموز 2021، نظّم الفاتيكان "يوم صلاة وتأمل من أجل لبنان"، جمع فيه بطاركة الكنائس اللبنانية في الفاتيكان، في مشهدٍ مؤثّر عكس عمق اهتمامه الروحي والسياسي بهذا البلد.
يومها دعا قداسة البابا المجتمع الدولي إلى الكفّ عن استغلال لبنان لأجندات خارجية، مطالبًا بدعمه للخروج من أزماته المركّبة، وفي كل لقاء دبلوماسي مع مسؤولين لبنانيين، كان صوت البابا واضحًا: الإصلاح ضرورة، والعدالة حق، والسيادة اللبنانية يجب أن تُحترم.
وخلال لقائه مع الرئيس ميشال عون في آذار 2022، أعاد تأكيد هذا الموقف، معبّرًا عن رغبته الشخصية في زيارة لبنان، رغم عدم تمكّنه من تحقيق هذه الأمنية في حينه لأسباب صحّية وظروف لبنانية معقّدة.
رسائل البابا لم تكن مجرّد عبارات تعاطف، بل مواقف أخلاقية وإنسانية ودبلوماسية ثابتة، من الدفاع عن الفقراء والمهمّشين، إلى الحثّ على الحوار، والدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية حينها، والتشديد على حياد لبنان وسيادته، ظلّ فرنسيس صوتًا صريحًا داعمًا للبنان وشعبه، في زمن عزّ فيه الدعم الصادق.
لقد حمل البابا لبنان في صلاته، كما حمله في كلماته وأفعاله. ولم يكن ذكره لهذا البلد تكرارًا بروتوكوليًا، بل ترجمة لقناعة راسخة بأن لبنان، رغم أزماته، يبقى "رسالة سلام وأخوّة للشرق الأوسط بأسره".