خاص ليبانون ديبايت

عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت
الاثنين 21 نيسان 2025 - 07:12 ليبانون ديبايت
عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت

تخاطب بـ"النار" بين إسرائيل وحزب الله

تخاطب بـ"النار" بين إسرائيل وحزب الله

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح



لم تكن الغارات التي شنّها العدو الإسرائيلي على جنوب لبنان، يوم أمس، مجرد حلقة إضافية في مسلسل الانتهاكات المتكررة للسيادة اللبنانية منذ توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية، بل حملت دلالات مباشرة تتصل بالخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، الذي أعاد من خلاله وضع المقاومة في قلب المعادلة السياسية والعسكرية.


تحدث قاسم بلغة حاسمة، متجاوزًا ما مارسه منذ تسلّمه مهامه، وهو ما أعطى انطباعًا بأنّ ثمّة أمرًا ما طرأ أو تبدّل حتى عدّل في نبرته. ثبّت الأمين العام للحزب معادلة المقاومة كركنٍ أساسي في معادلة الردع، وأشار بوضوح إلى جهوزية للعودة إلى العمل العسكري إذا فشلت المسارات الأخرى. هذا يعني أنّ قرار استخدام السلاح لا يرتبط بالمزاج السياسي، ولا تحكمه الظروف الآنية، بل يُمليه الميدان.


في السياق، أعلن، بشكل غير مباشر، أنّ المقاومة في طور استعادة عافيتها وقدراتها، وأنها مستعدة للعودة إلى الميدان. هذه الإشارة لم تمرّ على العدو مرور الكرام، فقد جاءت الغارات عقب الخطاب مباشرة، وكأنها محاولة استباقية لإعاقة عملية إعادة البناء العسكري التي بدأها الحزب منذ أشهر، والتي تبدو تل أبيب مطلعة عليها. وتندرج الغارات ضمن سياسة إسرائيل الرامية إلى منع حزب الله من التعافي، وتقويض قدرته على استعادة زمام المبادرة.


لكن المفارقة أنّ هذا النوع من الاستهداف لا يُضعف احتمالية عودة الحزب إلى القتال، بل يعزّزها، وهو ما يدحض السردية التي تروّج لها بعض الأطراف في الداخل والخارج بأنّ المقاومة في حالة ضعف شديد. صحيح أنّ الضربة التي تلقّاها الحزب خلال الحرب الأخيرة كانت قاسية وأثّرت عليه، إلا أنّ المؤشرات الحالية تدلّ على مسار تعافٍ تراكمي وتصاعدي في القدرات. فلو كانت المقاومة في موقع الضعف، لما كانت محطّ هذا الكم من الضربات والضغوط.


من زاوية موازية، يُظهر الإلحاح الأميركي على نزع سلاح الحزب، لا سيما شمال الليطاني، إدراكًا واقعيًا لتعافي المقاومة واستعادتها المدروسة لقدراتها، وهذا ما يثير القلق لدى بعض الجهات الدولية والمحلية التي تفضّل إبقاء الحزب خارج معادلة الدولة أو استغلال الوضع الراهن للانقضاض عليه.


سياسيًا، لم يكن الخطاب موجّهًا فقط إلى إسرائيل، بل حمل رسائل مركّبة إلى الداخل اللبناني. فالقوى التي تروّج لانحسار دور حزب الله تلقّت تلميحًا واضحًا بأنّ الحزب في مرحلة إعادة تموضع، لا تراجع. أما الأطراف الدولية، وعلى رأسها واشنطن، التي تواصل المطالبة بنزع السلاح، فقد تلقّت تأكيدًا ضمنيًا بأنّ الحزب لا يزال عنصرًا فاعلًا في المعادلة، ويعيد ترتيب أوراقه، وربما أولوياته.


العنصر الأكثر حساسية في خطاب قاسم كان ربط استخدام السلاح بإقرار الدولة بفشل المسار الدبلوماسي، ما يجعل المقاومة خيارًا اضطراريًا. لكن قاسم تعمّد تمييزه بالإشارة إلى الاستفادة منه ضمن استراتيجية دفاعية، تمامًا كما يُعلن رئيس الجمهورية.


في المقابل، أشار الخطاب إلى استعداد الحزب للانتظار، بشرط ألّا يُفهم الصمت على أنه ضعف. وهنا تتضح محاولة خلق توازن جديد: الردع قائم، حتى وإن لم يُستخدم. بل أكثر من ذلك، بدا خطاب قاسم كأنّه يمنح مهلة زمنية غير معلنة للحلول السياسية، قبل أن تعود المقاومة إلى تفعيل أوراق الضغط الميداني.


ولعل أبرز ما تضمنه كان دعوة الدولة اللبنانية إلى الاستثمار في قوة المقاومة، ليس لاستخدامها عسكريًا، بل لتعزيز الموقع التفاوضي للبنان، ضمن معادلة جديدة أو مطوّرة: "شعب، جيش، مقاومة، دولة".


الرسائل لم تتوقف عند قاسم، بل أعقبتها رسالة إيرانية مباشرة عبر السفير الإيراني في بيروت، مجتبى أماني، الذي وصف الدعوات لنزع سلاح حزب الله بـ"المؤامرة الخارجية"، وانتقد عدم قيام الولايات المتحدة (ضمنًا) بدورها في تقوية الجيش اللبناني وإجباره على تدمير الأسلحة، مؤكدًا أنّ طهران لم تطلب من حلفائها شيئًا في إطار مفاوضاتها مع واشنطن، وتركت القرار لكل طرف بناءً على تقديره لمتطلبات المواجهة.


واللافت أنّ موقف قاسم، لا سيما فيما يتصل برفض مناقشة الاستراتيجية الدفاعية قبل انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، واستعادة الأسرى، وإعادة الإعمار، يتقاطع مع مواقف سابقة للرئيس جوزاف عون، لا بل يوحي بإعلان الحزب تموضعه إلى جانب الرئيس واستعداده لتقوية موقفه، وهو خطاب يتقاطع مع ما شدّد عليه الرئيس مرارًا، لناحية رفض التفاوض مع إسرائيل بشأن مسائل يعتبرها بديهية، كوقف الاعتداءات، والانسحاب من النقاط الخمس المحتلة.


في المحصّلة، لم يكن خطاب قاسم موقفًا اعتياديًا، بل عودة صريحة إلى الميدان، ولو عبر الرسائل، ومحاولة لإعادة إنتاج معادلة "الردع" بصيغة جديدة.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة