أجرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعديلات جوهرية على التقارير السنوية التي تصدرها وزارة الخارجية حول حقوق الإنسان الدولية، حيث أُزيلت الانتقادات المعتادة لانتهاكات مثل ظروف السجون القاسية، الفساد الحكومي، والقيود المفروضة على المشاركة السياسية، ما أثار مخاوف بشأن تراجع الضغط الأميركي على بعض الدول لاحترام الحقوق المدنية والسياسية.
وبحسب تقرير لموقع NPR، فإن التقارير الخاصة بـ20 دولة، من بينها مصر، لن تُنشر قبل أن تُعرض على مستشار خاص لمراجعة إضافية. وتصدر وزارة الخارجية الأميركية هذه التقارير عادةً في شهري آذار ونيسان من كل عام، وتُعرف رسميًا باسم "تقارير الدول حول ممارسات حقوق الإنسان"، ويُلزم القانون أن تكون "شاملة وكاملة" لحالة حقوق الإنسان في العالم.
ويستخدم الكونغرس الأميركي هذه الوثائق لاتخاذ قرارات بشأن المساعدات الخارجية والأمنية. على سبيل المثال، ذكرت رويترز في كانون الأول الماضي أن إدارة بايدن السابقة حولت 95 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر إلى لبنان، على خلفية القلق بشأن سجل مصر في مجال حقوق الإنسان، لا سيما في ما يتعلق باعتقال السجناء السياسيين.
ويُنتظر صدور هذه التقارير على نطاق واسع من قبل دبلوماسيين، محامين، ومنظمات حقوقية، إذ تشكل مرجعًا أساسيًا لتقييم الأوضاع الحقوقية في مختلف الدول، وتُستخدم كذلك في قضايا اللجوء لتحديد مدى خطورة إعادة طالب حماية إلى بلده الأصلي.
لكن وفقًا لمذكرة تحريرية مسربة، فإن وزارة الخارجية الأميركية وُجّهت لتقليص محتوى التقارير إلى الحد الأدنى المطلوب قانونًا، مع استبعاد إدانات لانتهاكات مثل حرمان حرية التنقل والتجمع السلمي، احتجاز السجناء السياسيين دون محاكمات عادلة، أو الإعادة القسرية لطالبي اللجوء إلى بلدان قد يواجهون فيها الاضطهاد.
وتشير المذكرة إلى أن الغرض من هذه التعديلات هو "مواءمة التقارير مع السياسة الأميركية الحالية والأوامر التنفيذية الأخيرة"، في حين أُمرت فرق التحرير بتقديم مثال واحد فقط على كل انتهاك، بدلاً من سرد عدة حالات كما كان معتادًا.
وتشمل التعديلات:
حذف الإشارات إلى الممارسات الطبية القسرية.
إزالة تقارير عن التدخل التعسفي في الخصوصية.
استبعاد حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف ضد ذوي الإعاقة.
تقليص المعلومات حول القيود على حرية الإنترنت.
كما أُعيدت تسمية بعض الأقسام:
فقرة "حرية المشاركة في العملية السياسية" أصبحت "أمن الشخص".
فقرة "حرية التعبير، بما في ذلك حرية الصحافة" أصبحت ببساطة "حرية الصحافة".
ويرى منتقدو هذه الخطوة أنها تعكس توجّه إدارة ترامب لتقليص التركيز على ملف حقوق الإنسان لصالح ملفات أخرى، مثل التجارة والعلاقات الجيوسياسية. ويعتقد بعض حلفاء ترامب أن تقارير حقوق الإنسان تروّج لأجندات أيديولوجية لا يوافقون عليها، كمثل قضية الإجهاض.
وعلى إثر التعديلات، كتب عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان تعليقات غاضبة، من بينهم سارة ليا واتسون من منظمة "هيومن رايتس ووتش"، التي اعتبرت أن "التقارير الجديدة لن تُسلط الضوء بعد الآن على الإعادة القسرية أو المضايقات بحق منظمات حقوق الإنسان، وهي أمور تقوم بها إدارة ترامب نفسها"، على حد قولها.
وقال جيفري سميث في مجلة "تايم": "لا يوجد مبرر لعدم إدانة السجناء السياسيين أو قمع الانتخابات الحرة"، معتبرًا أن هذه التعديلات "هدية للمستبدين".
من جهته، أشار بول أوبراين، المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة، إلى أن "هذه الوثائق ليست مجرّد سرديات، بل أدوات تحليلية مهمة لصنّاع القرار والمستثمرين والمجتمع المدني"، محذرًا من أن حذف محتوياتها الجوهرية يضعف مصداقيتها الدولية.
وتؤكد الوثائق المسربة أن بعض التعديلات تتصل بشكل مباشر بعلاقات إدارة ترامب مع دول محددة. على سبيل المثال، أُزيلت الإشارات إلى ظروف السجون في السلفادور، والتي أبرمت اتفاقًا مع إدارة ترامب لاستضافة مهاجرين غير نظاميين. كما حُذف بند "الفساد الحكومي" من تقرير المجر، الحليف المقرّب من ترامب.
أما قائمة الدول التي ستخضع مراجعتها لإشراف مستشار أول سياسي في الوزارة فتشمل: مصر، المجر، السلفادور، الأرجنتين، جنوب أفريقيا، روسيا، أوكرانيا، صربيا، إيطاليا، الفلبين، كندا، المكسيك، والمملكة المتحدة.
وبحسب موقع NPR، فإن تقارير حقوق الإنسان الخاصة بعام 2024 كانت قد أُنجزت في عهد إدارة بايدن، قبيل تولي ترامب الرئاسة مجددًا في 20 كانون الثاني 2025، إلا أن فريق ترامب أعاد تحريرها، مع تأكيد وزارة الخارجية أن النسخ المعدلة لن تُنشر قبل أيار المقبل.