ليبانون ديبايت - محمد المدني
انفجر حزب الله في وجه آلة الضغط التي تُمارس عليه وعلى بيئته من قبل الخارج والداخل، وخرج مسؤولوه إلى الضوء بتصريحات عالية النبرة، فيها من التهديد والوعيد ما ينذر بانفجار حتمي ما لم يُؤخذ كلام نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم على محمل الجدّ.
ومع تصريحات المسؤولين اللبنانيين، سواء رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أو رئيس الحكومة نواف سلام، يبدو أن ما خفي بشأن السلاح أعظم مما يُذكر في التصريحات الإعلامية، وبات من اللازم الكشف عن مدى صحة ما يُقال بأن الحزب بدأ بتسليم سلاحه، في وقت يخرج قاسم، وقبله الحاج وفيق صفا، بكلام يناقض ما يُتداول.
لا شك أن انتفاضة حزب الله وإعلانه التمسك بسلاحه، تدخل لبنان في نفق جديد مع العدو الإسرائيلي، الذي يترصّد اللحظة، وهو ليس بحاجة إلى فرص إضافية لمواصلة حربه التي لم تُحقق بعد جميع الأهداف الإسرائيلية المنشودة، والتي تتخطى مسألة حماية أمنه إلى نزع سلاح “المقاومات” المجاورة له.
قد يرى البعض أن حزب الله يتصرّف بعشوائية قد تشعل الحرب على لبنان مرة جديدة، لكن الحزب الذي وقّع على قرار وقف إطلاق النار، وجد نفسه أمام حل دولي – داخلي جزئي يتعلّق فقط بسلاحه، بينما المطلوب كان حلاً شاملاً يتضمن السلاح والإعمار معاً، لا الجزء الأول فقط.
فقد وجد حزب الله نفسه بالفعل خاسرًا مرتين: الأولى في مرحلة الحرب ومجرياتها، والثانية في مرحلة وقف إطلاق النار، حيث لم يوفّر له اتفاق وقف النار الذي وافق عليه الحدّ الأدنى لحفظ ماء الوجه، فلم تخرج إسرائيل بالكامل من الأراضي اللبنانية، ولم تتوقف اعتداءاتها واغتيالاتها لكوادره، كما لم تبدأ عملية إعادة الإعمار، لا عبر الدولة اللبنانية، ولا من خلال المجتمع الدولي، ولا حتى من خلال إيران.
أمام هذا الواقع من الخسائر المتتالية، والذي أفرز انطباعًا عامًا حول ضعف حزب الله وتراجعه، ليس فقط في نظر الآخرين في الداخل والخارج، بل أيضًا في أوساط بيئته، يحاول الحزب “الصمود” بخطاب القوة والانتصار والاستمرار في مقاومته ولو شكليًا، حتى لو أدرك في قرارة نفسه أن الأمور تغيّرت جذريًا بالفعل.
ويسعى حزب الله من خلال هذا الخطاب إلى تأخير “ساعة الحقيقة”، حتى يتمكّن من تحقيق بعض المكاسب التي تعوّض بيئته عن كمّ الخسائر التي لحقت بها، والتي تبدأ بتنفيذ القرار الدولي 1701 من قبل الإسرائيليين، وتحرير الأسرى، وبدء عملية الإعمار، علّه يتمكن من ربط سلاحه بتلك المكتسبات.
لكن هذا الرهان، بالنسبة إلى الحزب، يجري في ظلّ واقع أفقد ورقة السلاح الكثير من قيمتها، نتيجة خسارة الحرب وانهيار معادلة الردع التي كانت قائمة، ولذلك على حزب الله أن يُجري حسابات دقيقة جدًا، يوازن فيها بين سياسة شدّ الحبال التي يعتمدها من خلال خطابه التصعيدي والمتصلّب في موضوع السلاح، وبين خطر استمرار الحملة العسكرية عليه، بل وعودة الحرب الشاملة في المستقبل القريب.