ترى أوساط متابعة لخطابات قيادات "حزب الله" مؤخرًا، لا سيما خطاب نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، أن هذا الخطاب أعاد التذكير بالأولويات، في ظل الحديث المتنامي عن نزع سلاح الحزب.
وبرأي هذه الأوساط، لا يمكن البحث بجدية في مسألة السلاح قبل الانسحاب الإسرائيلي الكامل، لا سيما أن الحزب التزم بالاتفاق وسلّم الدولة والجيش 195 نقطة من أصل 254 نقطة، بينما إسرائيل لم توقف اعتداءاتها، وينبّه الخطاب إلى أن مجرد طرح فكرة نزع السلاح مرفوض من حيث المبدأ، بل إن النقاش يجب أن يكون حول كيفية الاستفادة من هذا السلاح ضمن الاستراتيجية الدفاعية الوطنية لحماية لبنان.
وترى هذه الأوساط أيضًا أنه لا يمكن فصل موقف الحزب الرافض لتسليم السلاح عن مسار التفاوض الإيراني-الأميركي، إذ إن الأميركي لا يطرح فقط الملف النووي، بل يدرج أيضًا ما يُسمى "حلفاء إيران ووكلاءها"، ويأتي هذا الخطاب، بالإضافة إلى ما يقوم به الحوثيون في اليمن، كرسالة إيرانية مفادها أن طهران لن تتنازل في هذا الملف.
4 نقاط تشدد عليها إيران
وتذكّر بالرسالة الإيرانية التي رُد بها على الأميركيين، والتي كُشف مضمونها وتركّزت على أربع نقاط:
إيران مستعدة للنقاش في الملف النووي.
الملف الباليستي ليس مطروحًا للنقاش من جانبها.
إيران لا تملك وكلاء في المنطقة، فهذه جماعات لها قضايا وطنية عليكم أن تناقشوها معها مباشرة.
نواجه التهديد بالتهديد.
وظيفتان للحملات الداخلية
وترى الأوساط نفسها أن نبرة "الصوت العالي" لقيادات الحزب تأتي في سياق الرد على الحملات الداخلية، التي تؤدي وظيفتين، برأي الحزب:
الأولى: مواكبة الضغوط الخارجية والإيحاء بوجود انقسام كبير في البلد حول موضوع السلاح.
الثانية: التأثير على معنويات جمهور المقاومة و"حزب الله".
وبرأيها، كان لا بد من ردّ الحزب في مكان ما، خصوصًا ما تحدث عنه الحاج وفيق صفا، لإعادة التوازن إلى الداخل، بعد أن بدأ التعاطي مع الحزب وكأنه "ممسوح" ويحق لأي طرف التمادي عليه. وبالتالي، فإن الحزب أعاد تعديل الموازين وأعلن أن هذا الملف يناقش مع رئيس الجمهورية.
أما بشأن الحساسية التي قد يسببها هذا الخطاب المرتفع في العلاقة مع رئيس الجمهورية، فلا تتوقع الأوساط أن يؤدي ذلك إلى أي إشكال، لا سيما أن الحزب أعلن التزامه بكافة الأراضي اللبنانية، لكن المقاومة أمر آخر.
مخاوف الشيعة
ولا تخفي الأوساط أن التحولات الكبيرة في المنطقة غيّرت المشهد، فسقوط نظام الأسد في سوريا "خوّف" الشيعة، ونموذج تسليم العلويين للسلاح ثم المذبحة بحقهم، زاد من نسبة المخاوف وأعطاهم سببًا إضافيًا للتمسك بالسلاح. وهذه نقطة لا يمكن إغفالها من الحسابات، ويجب تأمين ضمانات للحزب للذهاب نحو هذه الخطوة.
وهنا تستحضر تجربة سابقة في لبنان، وبالتحديد في العام 1982، حين خرجت منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وسلّمت سلاحها، فدخلوا وقاموا بمجزرة صبرا وشاتيلا.
الحرب على لبنان واردة
لكن، هل التمسك بالسلاح قد يعطي ذريعة لإسرائيل لشنّ حرب جديدة على لبنان؟ ترد الأوساط بأن الحرب على لبنان واردة في كل الأحوال، ولا علاقة لها بموضوع السلاح. فإسرائيل، بعد انتهاء حرب غزة، من المرجح أن تشنّ حربًا على لبنان، خاصة إذا نجحت المفاوضات الأميركية - الإيرانية، إذ سيسمح الأميركي عندها للإسرائيلي بالتصرّف بحرية في لبنان وغزة.
الحزب جاهز وسدّ الثغرات الأمنية
في المقابل، تكشف الأوساط أن أجواء الحزب تؤكد الجهوزية التامة لأي حرب مقبلة، وقد يفاجئون العدو في أيام قتالية قليلة. ولن تكون الأمور كما في المرة السابقة، لا سيما أن الحزب يعتبر أنه سدّ الثغرات الأمنية، ورمّم المستوى القيادي، وطوّر منظومة السلاح، ولا يزال يملك سلاحًا نوعيًا يمكنه من المواجهة.
ولكن، ألم يسلم الحزب معظم منشآته وأسلحته جنوب الليطاني للجيش اللبناني؟ توضح الأوساط أن هذا صحيح، إلا أن السلاح النوعي ليس موجودًا هناك، ولا يمكن أن يُوضع في هذه المنطقة أصلًا.
وتعترف الأوساط أن الحزب لن يكون البادئ بالحرب، خصوصًا أن وضع الشيعة اليوم في الجنوب والبقاع حساس جدًا، ولكن إذا بادر رئيس وزراء العدو بالحرب، فستكون هذه فرصة لإعادة ترميم الردع، رغم أن نتائج هذه المعركة تبقى غير محسومة.
الإيراني يُغري الأميركي بالحوافز الاقتصادية
وعن احتمال نجاح المفاوضات الأميركية - الإيرانية، لا تحسم المصادر هذا الأمر، بل تضع نسبة النجاح أو الفشل 50%. وتشير إلى أن الإيراني يُغري الأميركي بالحوافز الاقتصادية، لا سيما أن فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقول له إن لديهم استثمارات بقيمة 800 مليون دولار، في مقابل أنه إذا اشتعلت الحرب، فقد يصل سعر برميل النفط إلى ما يتجاوز الألف دولار.