شدّد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في خطبة الجمعة التي ألقاها في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، على أنّ لبنان بتعدديته الطائفية والمذهبية يشكّل مصدر قوة وليس ضعف، مشيراً إلى أن الإسلام والمسيحية لا يمنعان الوحدة بل يحفّزان عليها، لأن في طياتهما الكثير من المشتركات الوطنية والأخلاقية والمجتمعية والوجودية، إلا أن "المشكلة الأساس تكمن في السرطان السياسي الذي ينخر هيكل الدولة، ويرتزق على الدعم الخارجي والانتهازية الحزبية، وخصوصاً بعد طوفان الأقصى".
ورأى المفتي قبلان أن بعض من يدّعي الدفاع عن الوحدة الوطنية، يمارس الكيدية السياسية، ويستحضر الجيوش بخلفيات انتقامية، ويتعامل مع لبنان "كسلعة وبضاعة وسوق تجارة وطنية"، ما يُنذر بمخاطر جمّة على الاستقرار الداخلي، وسط منطقة تغلي بالتوترات، وتسويات إقليمية لا تزال جزئية ومحدودة.
وأضاف: "للأسف، العقلية السياسية ما زالت نزقة، والأبواق الإعلامية المتفلتة تصب الزيت على نار الخصومة السياسية، ما يضاعف الأخطاء ويفجّر الانقسامات ويؤجّج الصراع الداخلي، فنفقد بذلك المشتركات الوطنية ونتجه نحو الأفق الكيدي والانتقامي، وكأننا نعيش في عوالم متناحرة".
وركّز على أهمية الميثاق الوطني والتعدّد اللبناني قائلاً: "قيمة لبنان بأساسه الميثاقي وبثقافة أديانه التي تصرّ على الشراكة الوطنية. والعيش المشترك ليس خيارًا بل ضرورة وجود، فيما الحكومة الحالية بقراراتها المفصلية، تملك القدرة على قيادة البلد نحو السلم الأهلي أو على العكس، دفعه إلى حافة الحرب الأهلية".
وانتقد قبلان ما وصفه بإهمال الحكومة لمناطق الجنوب والضاحية والبقاع، رغم أنها من أكثر المناطق تضررًا من الحرب والاعتداءات الإسرائيلية، قائلاً: "الجنوب سلّف الدولة وجودها وشرعيتها، منذ أن طهّرها من الاحتلال الإسرائيلي الذي غزا لبنان عام 1982، ومع ذلك لا يبدو أن هذه المناطق أولوية في أجندة الحكومة".
وأردف: "إذا اعتُبر الجنوب والبقاع والضاحية خارج حسابات الدولة، فهذا يعني أن أكثر من نصف لبنان خارج خريطة الأولويات الوطنية، وهذه كارثة حقيقية. فالحكومة تُغرق نفسها في ملفات لا تمسّ جوهر الأزمات البنيوية التي يعاني منها لبنان، متجاهلة الحاجات الحقيقية للمواطن، في ظلّ العدوان الإسرائيلي المتواصل، والقتل والاغتيالات والغارات التي تطال جنوب النهر بشكل يومي وسط صمت الدولة وتراجع هيبتها".
وحمّل المفتي قبلان الحكومة مسؤولية الغياب عن واجباتها السيادية والمعيشية والاجتماعية، معتبرًا أن "الدولة مطالبة بردع العربدة الإسرائيلية وإرهابها، لا بالسكوت ولا بالضعف، ولا بتبديل الأولويات أو التهرب خلف قضية السلاح. لأن هذا التهرّب لا يُسقط فقط المسؤولية، بل يُسقط شرعية الدولة برمّتها".
وشدّد على أنّ "الحكومة يجب أن تكون قوية لا ضعيفة، عادلة لا انتقائية، بحجم الوطن لا بحجم الزواريب، وأن تتحمّل كامل مسؤولياتها تجاه المواطنين في الجنوب وسائر المناطق، خصوصًا في ظلّ الواقع الاجتماعي المتدهور، والبنية التحتية المتهالكة، والانهيار في الخدمات الأساسية، وتفاقم الهجرة وانخفاض فرص العمل".
ودعا إلى "حكومة على الأرض لا حكومة طائرة"، في إشارة إلى القرارات المرتجلة والانفصال عن واقع الناس، مطالبًا الدولة بتفعيل حضورها التربوي والمعيشي والصحي، مشيرًا إلى أنّ "دولة بلا مرفق عام لا قيمة لها".
وحول المؤتمر الدولي الإقليمي المرتقب لدعم لبنان، علّق المفتي قبلان بالقول: "هذا المؤتمر لا يصلح إذا كان مشروطًا سياسيًا بما يمسّ الأمن الداخلي اللبناني. نعم، نريد أن يُلاقينا العالم كدولة شقيقة أو صديقة، رغم قلّة الأصدقاء ونكران كثير من الأشقاء".