يفتح إقرار قانون إيجارات الأماكن غير السكنية الجديد في الجلسة الأخيرة للمجلس النيابي الباب للبحث في ما سيرتّبه هذا القانون من أعباء مالية على خزينة الدولة وموازنة إداراتها، كون معظم أبنية هذه المؤسسات مستأجرة. وكانت تبلغ كلفتها قبل الأزمة عشرات ملايين الدولارات، ثم انخفضت هذه الكلفة نتيجة انهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار.
المثال الأبرز عن كلفة أحد هذه المباني قبل الأزمة وبعدها، هو بدل إيجار مبنى الإسكوا في وسط بيروت، والذي كان يبلغ في العام 2019، 110 مليارات ليرة، أي نحو 8 ملايين دولار حينها (بحسب “الدولية للمعلومات”)، وكان يستنزف 36 بالمئة من مجمل ميزانية وزارة الخارجية والمغتربين المخصّصة لدفع الإيجارات، في حين أنه لا يتعدى في العام الحالي مليونًا و200 ألف دولار.
كذلك الأمر بالنسبة إلى مبنى منظمة “الفاو” المستأجر بقيمة 600 مليون ليرة سنويًا، إضافةً إلى المبالغ التي تنفقها الدولة بدل إيجار للأبنية المدرسية، والبالغة نحو 34 مليار ليرة سنويًا.
حتى اليوم، “لا تعرف الإدارات المختصة كيف ستتعامل مع هذا القانون”، كما يجزم مصدر مطّلع لـ"ليبانون ديبايت"، لأن الكلفة ستكون باهظة جدًا على موازنة الدولة التي تعاني من حالة تقشّف شديد، لافتًا إلى أن “هذا القانون هو عام، ومن المفروض أن يُطبّق على كل إيجارات الأبنية الحكومية، لكن فيما يتعلق بالأبنية الحكومية المُستأجرة، هناك جهة حكومية واحدة تدفع بدلات الإيجار، سواء من الموازنة العامة أو موازنة المؤسسات العامة أو موازنة البلديات، أي أن المصدر واحد”، مشددًا على أنه “حاليًا، ليس هناك موقف واضح وصريح، ولكن علينا انتظار توجّه الحكومة في هذا الإطار، والقانون نفسه لم يُميز بين أبنية حكومية وخاصة”.
ويختم: “هناك تريّث، وليس هناك طرح أو معالجة جدّية للموضوع، والقانون حاليًا في حالة أخذ ورد، والهيئات الاقتصادية تطرح إمكانية تعديل بعض النقاط فيه، والأكيد أنه سيشكّل عبئًا كبيرًا على موازنة الحكومة والإدارات العامة، لأن معظمها مُستأجرة”.
بلغة الأرقام (ما قبل الأزمة)، كانت المباني المستأجرة من قبل الدولة اللبنانية تُشكّل مصدرًا واضحًا للهدر المستمر، لم يُجرِ تصحيحه لأسباب عديدة، أهمّها المحاصصة والتنفيعات السياسية، وتُقدّر بدلات الإيجارات التي تدفعها الحكومة سنويًا للأبنية والعقارات التي تشغلها المؤسسات من وزارات ومدارس والجامعة اللبنانية ومؤسسات عامة أخرى بنحو 200 إلى 220 مليار ليرة (نحو 136 مليون دولار) في العام 2019. وبعض هذه المقرات لا يتم تشغيلها وتبقى فارغة، فيما لا يتطلب إنشاء أبنية حكومية أكثر من 750 مليار ليرة، بحسب ما أكدت دراسة “الدولية للمعلومات” في نهاية عام 2018.
ويُعتبر إيجار مبنى “الإسكوا” الأعلى، كما أن الدولة كانت تنفق نحو 34 مليار ليرة بدل إيجار للأبنية المدرسية.
تجدر الإشارة إلى أن قانون الموازنة لعام 2019 تضمّن قانون "برنامج لتشييد أبنية للإدارات العامة في سبيل استغناء الدولة وإداراتها الرسمية عن أعباء وتكاليف استئجار المباني والإنشاءات التي تشغلها كمراكز ومكاتب لها". ووزّعت اعتمادات الدفع على الشكل التالي: عن العام 2020 يُدفع 200 مليار ليرة، وعن العام 2021 مبلغ 165 مليارًا، وعن العام 2022 يُدفع 275 مليارًا، وعن العام 2023 يُدفع 100 مليار ليرة. ولكن مع اندلاع الأزمة، صار هذا القانون مجرّد حبر على ورق.
وفي أيلول من العام 2023، أصدرت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قرارًا تحت رقم 58/2023، يقضي بتشكيل لجنة لدراسة موضوع بدلات إيجار الأبنية الحكومية المُستأجرة لصالح الدولة، وتضم وزراء العدل، المالية، الداخلية والبلديات، التربية والتعليم العالي، الأشغال العامة والنقل، ووزير الطاقة والمياه.
لكن مجلس الوزراء، في جلسته في 20 آب 2024، قرّر تأجيل البت في "عرض وزارة المالية إعادة النظر في عقود إيجار الأبنية المشغولة من الدولة، والمنظّمة قبل عام 2020"، وكلّف المجلس نائب رئيس الحكومة آنذاك سعادة الشامي بدراسة موضوع بدلات إيجار الأبنية الحكومية، واستكمال الملف، واستطلاع رأي إدارة الأبحاث والتوجيه في مجلس الخدمة المدنية، قبل إعادة عرضه على الحكومة.
وكانت وزارة المالية قد عرضت على الحكومة مشروعًا من جزئين:
• الأول يتعلق بالعقود المنظّمة بالدولار الأميركي،
• الثاني بالعقود المنظّمة بالليرة.
في الجزء الأول، طلبت المالية تسديد بدلات الإيجار بالليرة اللبنانية بناءً على سعر الصرف المعتمد من مصرف لبنان، فضلاً عن اعتماد قيم الإيجارات لعام 2018 كمرجع، على أن تُحتسب النسب على الشكل التالي: 25 بالمئة لعام 2025، 30 بالمئة لعام 2026، 35 بالمئة لعام 2027، و40 بالمئة لعام 2028.
أما الجزء الثاني من مشروع المالية، والمتعلق بالعقود المنظّمة بالليرة، فاقترحت المالية تحويل قيمة العقود عن عام 2025 إلى الدولار على أساس سعر صرف 1507 ليرات لكل دولار، ثمّ اعتماد نسب التخفيض الآتية: 75 بالمئة عن عام 2025، و70 بالمئة عن عام 2026، و65 بالمئة عن عام 2027، و60 بالمئة عن عام 2028. وتُدفع العقود بالليرة اللبنانية بسعر 89,500 ليرة لكل دولار.
وقدّمت المالية مقترحها للحكومة بناءً على "انخفاض الناتج القومي بنسبة 60 بالمئة خلال عام 2024، مقارنةً مع عام 2018، وانخفاض قيمة العقارات المبنية بنسبة 70 بالمئة تبعًا للأزمة الاقتصادية”، لذا، رأت في إعادة النظر في قيمة عقود إيجار الأبنية التي تشغلها الدولة “واجبًا لطمأنة مؤجّري الإدارات العامة".
بناءً على كل ما تقدّم، النتيجة التي يمكن استخلاصها هي أن بدلات الإيجارات للأبنية الحكومية لا تزال على حالها كما كانت قبل الأزمة، بانتظار ما ستقرّره الحكومة لاحقًا لجهة "استثناء مؤسساتها من هذا القانون أم لا".
وفي هذا الإطار، يشرح الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين لموقع "ليبانون ديبايت" أن "معرفة الأعباء الإضافية لهذا القانون تتطلب التدقيق في إيجارات الإدارات بشكل منفرد، بالإضافة إلى أن هناك مباني مستأجرة خارج لبنان، وبحسب الأرقام الواردة في موازنة 2025، يبلغ بدل الإيجارات والخدمات المشتركة التي تدفعها الدولة 1559 مليار ليرة، أي 18 مليون دولار للمؤسسات داخل لبنان وليس خارجه. لكن في القانون الجديد، لا تحديد بعد للمبالغ المترتبة على الدولة".
ويختم: "أهم ما في الموضوع هو تفصيل التكاليف بحسب الإدارات لتقييم كل حالة على حدة واتخاذ القرار المناسب بشأنها، فمثلًا الإيجار السنوي لمبنى الإسكوا (سوليدير) لعام 2025 هو 110 مليارات ليرة، أي مليون و200 ألف دولار، في حين أنه قبل الأزمة كان 8 ملايين دولار".