في استمرارٍ لعمليتها العسكرية التي انطلقت منتصف آذار الماضي، شنّت المقاتلات الأميركية، فجر اليوم الأربعاء، سلسلة غارات جوية عنيفة استهدفت مواقع لجماعة الحوثي في العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من المناطق الأخرى، في تصعيد هو الأوسع منذ بدء الحملة الأميركية في اليمن رداً على استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
وبحسب ما أفادت به مصادر "العربية"، فإن القصف الأميركي استهدف معسكر الحفاء في جبل نقم، شرقي صنعاء، حيث دوّت انفجارات عنيفة في أرجاء العاصمة، بالتزامن مع تحليق كثيف للطيران الأميركي في الأجواء.
كما طالت خمس غارات أميركية متتالية منطقة النهدين وسط العاصمة صنعاء، وهي منطقة تضم مقارّ ومواقع استراتيجية تابعة للحوثيين، سبق أن استُهدفت في جولات تصعيد سابقة.
وامتد القصف الأميركي إلى محافظة صعدة، المعقل الأبرز للحوثيين شمال اليمن، حيث استُهدفت مواقع في منطقة طخية، في حين سُجّل تحليق للطيران الأميركي فوق محافظة إب وسط البلاد، ما يعكس توسيعاً لرقعة الاستهداف الجغرافي في إطار استراتيجية الضغط العسكري المتواصل.
وكانت هذه الغارات قد جاءت بعد أقل من 24 ساعة على تنفيذ الطيران الأميركي أعنف موجة قصف منذ بدء الحملة، حيث شملت الغارات معسكرات تدريب ومنصات إطلاق صواريخ ومقارّ لخبراء عسكريين يتبعون الجماعة، في مناطق متعددة خاضعة لسيطرتها.
وقد نشر الجيش الأميركي صوراً توثّق الإعداد للغارات الأخيرة، عبر منشور رسمي على منصاته، في رسالة واضحة تؤكد استمرار النهج العسكري لواشنطن في التعامل مع التهديد الحوثي للملاحة البحرية الدولية.
ومنذ 15 آذار الماضي، تشنّ الولايات المتحدة عمليات جوية مركّزة على أهداف حوثية داخل الأراضي اليمنية، في محاولة لوقف هجمات الجماعة على السفن التجارية وناقلات النفط في البحر الأحمر وخليج عدن، وهو أحد أهم الممرات البحرية في العالم.
الهجمات التي نفذها الحوثيون، والتي طالت سفنًا ترفع أعلام دول مختلفة، اعتُبرت تهديدًا مباشرًا للأمن البحري العالمي، ودفع واشنطن إلى إطلاق عمليات ردع واسعة النطاق بالتعاون مع حلفائها في المنطقة.
وفي موقف حاد، توعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقضاء على الحوثيين المدعومين من إيران، محذرًا طهران من الاستمرار في دعمهم عسكريًا ولوجستيًا، ومؤكّدًا أنّ أي هجوم على المصالح الأميركية في المنطقة سيقابل بردّ قاسٍ ومباشر.
وكان الحوثيون قد أعلنوا مراراً خلال الأسابيع الماضية أن المناطق الخاضعة لسيطرتهم تتعرض لغارات أميركية شبه يومية، أسفرت عن استشهاد عشرات المقاتلين، مشيرين في المقابل إلى أنهم استهدفوا حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر أكثر من مرة، في تطور ينذر باتساع رقعة المواجهة.
وتأتي هذه التطورات في ظل تزايد المخاوف من اتّساع نطاق الصراع في الإقليم، خاصة في ظل التصعيد المستمر بين واشنطن وطهران على خلفية دعم الأخيرة للحوثيين. وفي حين تؤكّد الإدارة الأميركية أن العمليات العسكرية في اليمن تندرج في إطار "حماية حرية الملاحة الدولية"، ترى طهران وحلفاؤها أن الغارات الأميركية تمثّل "عدواناً مباشراً على اليمن".
من جهتها، لم تعلن جماعة الحوثي حتى اللحظة عن ردّ مباشر على غارات الأربعاء، لكن مراقبين لا يستبعدون أن تلجأ الجماعة إلى تنفيذ هجمات جديدة على السفن أو القوات الأميركية في البحر الأحمر أو خليج عدن خلال الأيام المقبلة، ما قد يفتح الباب أمام موجة تصعيد جديدة في واحدة من أكثر الجبهات توتراً في الشرق الأوسط حالياً.