“ليبانون ديبايت”
فيما كان لبنان يغرق في عتمة تامة لليلة الثانية خلال أسبوع واحد، اختار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن يحتفل بـ”إنجاز” في ملف الكهرباء، مهنئًا وزير الطاقة الحالي جو الصدّي على ما وصفه بـ”الانتهاء من الإجراءات الخاصة بتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء”، بعد تأخير دام 23 عامًا، وفق تعبيره.
في منشور على منصة “إكس”، قال جعجع: “تهانيّ الحارّة لوزير الطاقة جو الصدّي الذي، وفي أقل من شهرين، أنهى الإجراءات الخاصة كلها بتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء… بعد عرقلة مقصودة من كل من تعاقب على هذه الوزارة منذ 2002، ما أبقى قطاع الكهرباء مزرعة لهم ولمحسوبياتهم ومصالحهم، وعلى حساب المواطن اللبناني الذي عانى طيلة هذه الفترة العتمة والظلام.”
لكن سرعان ما تحوّلت “التهاني” إلى مفارقة قاتمة. ففي أقل من 8 أيام، تعرّض لبنان لانقطاعين شاملين للكهرباء (“بلاك أوت”)، دام كل منهما قرابة عشر ساعات، نتيجة أعطال متكررة في معامل الإنتاج، أولها في معمل دير عمار، والثاني في الزهراني. والمفارقة أن آخر كلمتين في تغريدة جعجع – “العتمة والظلام” – وقعتا بالمعنى الحرفي، بعد ساعات فقط من نشرها، ما وضع ادعاءاته في خانة الإنكار للواقع أو في الحد الأدنى، فصلاً دعائيًا عن المشهد الكهربائي الكارثي.
الخلاف بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية حول الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء ليس جديدًا، إذ طالما تبادل الطرفان الاتهامات بتعطيل تشكيلها، سواء لأسباب سياسية أو تحفظات على آليات التعيين. فالقوات طالبت مرارًا بتنفيذ القانون 462/2002 الذي ينص على تشكيل هيئة مستقلة تنظم القطاع، بينما التيار أصرّ في المقابل على ضرورة تحديث القانون قبل تفعيل الهيئة، معتبرًا أن النص القائم لم يعد يصلح بعد تغيّرات بنيوية في القطاع.
وبحسب مطّلعين على الملف، فإن الاتفاق الأخير الذي أفضى إلى الانتهاء من إجراءات تعيين أعضاء الهيئة لم يأتِ نتيجة قفزة نوعية، بل بعد ضغوط خارجية ورغبة حكومية في تسويق خطوة “إصلاحية” ضمن ملف يُستخدم عادة في سياقات التجييش السياسي أكثر منه في معالجات تقنية فعلية.
وتُعلّق مصادر مواكبة لملف الكهرباء على المشهد بالقول: “حين يتكرّر انقطاع الكهرباء بهذه الصورة الشاملة – مرتين خلال أسبوع – ويُعزل لبنان عن الكهرباء لساعات طوال، فهذا ليس فقط فشلًا تقنيًا، بل انهيار في البنية نفسها. لا الهيئة الناظمة ستمنع العتمة، ولا التغريدات ستولّد طاقة بديلة”.
وتتابع المصادر: “المضحك المبكي أن جعجع يهاجم التيار الوطني الحر بحجّة تعطيل الهيئة، ثم يحتفل بتشكيلها وكأنها الإنجاز المنتظر، في وقت تغرق البلاد حرفيًا في ظلام هو الأسوأ منذ شهور. فهل المطلوب من اللبنانيين أن يفرحوا بالهيئة فيما منازلهم بلا كهرباء؟”.