كتبت الصحافية كارولين عاكوم في صحيفة "الشرق الأوسط"، مقالًا تحت عنوان: "كيف تفرّد بري بملكية «مفتاح» شيعة لبنان؟".
وجاء في متن المقال: منذ إعلان أمين عام حزب الله نعيم قاسم، في خضم الحرب الإسرائيلية على لبنان، تفويض "الأخ الأكبر"، رئيس مجلس النواب و"حركة أمل" نبيه بري، بالتفاوض حول وقف إطلاق النار، بات بري يملك شبه منفرد "مفتاح شيعة لبنان" أو "الثنائي الشيعي".
ويعكس مسار الأمور منذ ذلك الحين، الذي شهد اغتيال أمين عام حزب الله السابق حسن نصرالله وتلقي الحزب ضربات قاسية عسكرياً وسياسياً، تراجع حضور قيادات الحزب ومسؤوليه من "الخطوط الأمامية" السياسية كما العسكرية، وتولى بري خوض المفاوضات المرتبطة بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والذي ينص في جزء أساسي منه، ليس فقط على تراجع الحزب إلى شمالي نهر الليطاني كما أشيع في المرحلة الأولى، إنما أيضاً على تفكيك ترسانة حزب الله العسكرية، وهو ما بات ينفذ عملياً على الأرض عبر الجيش اللبناني.
وكذلك لم تعد تخلو إطلالة لقاسم من دون الحديث عن بري، وفي إحداها خاطبه قائلاً: "نحن لنا ملئ الثقة بقيادة الأخ الأكبر، نبيه بري، أنت الأكبر بنظر الأمين العام السيد حسن نصرالله، واعلم أنك الأخ الأكبر بنظر كل حزب الله".
وهذه الثقة باتت تترجم عملياً في سلوكيات قيادات الحزب ونوابه ويلمسها المسؤولون داخل لبنان وخارجه، وتحديداً من قبل الدول المعنية بالاتفاق، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية التي نقل عن مسؤولين فيها أخيراً أن لديهم ثقة ببري الذي يقود الحوار مع الحزب بشأن نزع سلاحه، والذي يلتقي بكل المسؤولين والموفدين الذين يأتون إلى لبنان وتتركز معظم لقاءاتهم بشكل أساسي على هذا الموضوع.
وهذا الأمر تتحدث عنه بصراحة مصادر نيابية في "حركة أمل"، وتقول لـ"الشرق الأوسط": "حزب الله سبق أن فوّض بري في قرار وقف إطلاق النار خلال الحرب، ومن السهل جدا أن يكون مؤتمناً أيضاً على المواضيع السياسية الداخلية، وهو ما ترجم في مراحل عدة، منها تشكيل الحكومة برئاسة نواف سلام وتعيين حاكم المصرف المركزي كريم سعيد، لكن ذلك لا يعني أن ليس للحزب رأيه وهو الذي يمثله 15 نائباً في مجلس النواب، بل هناك تنسيق وتشاور دائم بين الطرفين"، مذكرة بمواقف قاسم الذي "لا يوفر مناسبة إلا ويذكر أو ينوّه ويؤكد على تفويض بري".
يأتي ذلك مقابل تراجع ملحوظ لخطابات مسؤولي الحزب العالية السقف والتهديدية، إذ باتت مواقفهم ترتكز على ما يمكن وصفه بـ"العام"، وتحديداً لجهة "الاستمرار بمقاومة إسرائيل" والتوجه بشكل أساسي إلى بيئة الحزب التي لم يصارحها حتى الساعة بحقيقة الاتفاق وبما ستشهده المرحلة المقبلة من تبدلات في مهمته ودوره، في وقت لا يزال فيه أهالي الجنوب ينتظرون التعويض لهم والبدء بإعادة الإعمار، و"هي القضية التي تشغل مسؤولي الحزب في المرحلة الراهنة وتجعله يصب كل اهتمامه عليها"، وفق المصادر.
وتسليم زمام الأمور لبري لا يقتصر على الخطاب السياسي فحسب، بل يحضر بوضوح في الأداء الحكومي لوزراء "الثنائي الشيعي". وتقول مصادر مطلّعة لـ"الشرق الأوسط": "في السابق كنا نشعر أن الكلمة الفصل كانت لوزراء الحزب، أما اليوم فيبدو واضحاً عند كل قضية تطرح في مجلس الوزراء أن القرار النهائي بشأنها يكون لرئيس مجلس النواب ويلتزم بها الوزراء المحسوبون على الطرفين".
وهذا الأداء ينسحب أيضاً على الشأن الانتخابي، خصوصاً مع بدء العد العكسي للانتخابات البلدية المحلية في 4 أيار المقبل، إذ تدير حركة أمل بشكل أساسي، بالتنسيق مع حزب الله التحضيرات للاستحقاق عبر "السعي إلى التزكية" في أكبر عدد من القرى الجنوبية التي يكاد إنجاز الانتخابات فيها عملياً، شبه مستحيل.
وحتى في مدينة بيروت حيث المعركة "حامية"، فإن قرار المقترعين الشيعة يعود إلى بري، وفق ما يؤكده أكثر من مصدر نيابي حاول التواصل مع نواب الحزب، فكان الجواب بإحالتهم إلى حركة أمل التي "تقود الاستحقاق في العاصمة".
وهذا الأمر لا تنفيه مصادر نيابية من كتلة "التنمية والتحرير" برئاسة بري، قائلة: "في الانتخابات البلدية، اتفق على استمرار التوافق الذي لا يزال ساري المفعول منذ عام 1998، بحيث يبقى التوزيع في البلدات قائماً بين الحزب والحركة، حتى أنه تبذل جهود اليوم لتفادي المعارك في أكبر عدد ممكن من القرى والوصول إلى التزكية".
أما حول قانون الانتخاب النيابية التي ستجرى العام المقبل، وسبق لنواب "التنمية والتحرير" أن تقدموا به ولاقى موافقة كاملة من حزب الله، وهو يعتمد على أن يكون "لبنان دائرة انتخابية واحدة"، تقول المصادر النيابية: "في قانون الانتخاب الطرفان متفقان على مقاربة الموضوع بما ينسجم مع وثيقة الوفاق الوطني".
مع العلم، أن الانتخابات النيابية المقبلة ستكون بمثابة استفتاء شعبي لـ"الثنائي" وبشكل أساسي لـ"حزب الله" بعد الحرب الأخيرة التي خاضها وأدت إلى خسائر كبيرة إن لجهة عدد القتلى والجرحى أو لجهة حجم التدمير الذي خلفته في المناطق التي تعتبر محسوبة عليه.