خاص ليبانون ديبايت

ليبانون ديبايت
الاثنين 14 نيسان 2025 - 13:13 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

قبل أن ننسى شربل

قبل أن ننسى شربل

"ليبانون ديبايت" - روني ألفا


كان شربل سعادة يمرُّ كل يوم من أمامِ بيتِنا. راجلٌ منذ قرون مترجِّلٌ عن ركوب الحافلات والسيارات. كنّا نستعين به في خياطة الستائر هذا المستورُ بالتواضعِ والمرتدي البساطة في الهندام. يسبقك شربل إلى التحية ويعتذر عن قبول خدماتك بإيصاله الى وجهته. فارعُ القامة كان. غالبًا ما كان يحمل كيسًا أو حقيبة فيها معدات متواضعة يرتحل معها إلى منزل يستدعيه لحاجة أو خدمة. خفوتُ صوتِه ولوحة البسمة الطفيفة على شفتيه كانت تعكس تواضعه. على قلة حيلته كنّا نرى فيه الكثير من الكرامة. يرفضُ المكرمة. مأكله بسيط. مشربهُ مياه الشفَّة وقصة حياته خطَّها بقدميه على أرصفة الشوارع مشيًا على الأقدار.


كانَ يحلو لي كلما كنتُ أمرُّ بجانبه أن أدعوه في سريرتي "هذا هو يسوع المسيح. لا لشيء إلا لأنه كان يشبِهُ الى حدٍ كبير سحنةَ المسيح كما كنّا نرى المسيح في فيلم آلامِه ما قبل الفصح".


"روبِرت پاوِل" هو الصورة التي انطبعت في مخيلتنا عن المسيح. لم يكن شربل سعادة بوسامة پاوِل. لكنّ شعره الطويل كان إلى حدٍ بعيد يشبه جدائل المسيح كما قدَّمه لنا "فرنكو زفِرِلّي" مخرج فيلم "يسوع الناصري" .


شربل كان ناصريًا في استرسال جدائل شعره التي كان يحلو له أن يفلتها طليقة صيف شتاء. هذا هو يسوع المسيح ولا ضير في تسميته على هذا النحو طالما أننا كلنا أولاد المسيح.


مات يوم أمس شربل سعادة. بقيت "بقجته" وحيدةً في بيته المتواضع. ستفتقِدُه الأرصفةُ وسيسألُ الإسفلتُ عن قدميه المناضِلَتَين. كان يمكنُ لشربل أن يعيشَ عشرَ سنين أو عشرينَ سنةٍ إضافية. سحقَته سيارة. لمحتُهُ قبل ملاقاةِ قدرِهِ بدقائقَ وردَّدتُ في سَريرتي "هوذا يسوع المسيح".


كان شربل في مثلِ هذه الأيام كلَّ سنةٍ يُشاركُ في كلِّ طقوس الفصح. يواظبُ على المشاركة في كل القداديس ويخدمُها بنشاط وورع، وكان حضورُه داخلَ الكنيسة يضفي على ضَوعِ البخور شيئًا من الطوباوية.


البساطةُ والوداعةُ كان يحبُّهما يسوع كثيرًا ولعله أحبَّ شربل كثيرًا فقدَّرَ له أن يكونَ على يمينه قبل عيد الفصح. شربل الذي كان يحملُ نعشَ المسيح كلَّ سنةٍ لن يحمِلَه الأسبوعَ المقبل. عوضًا عن ذلك سيحملُ المسيحُ نعشَ شربل إلى أخدارِه السماوية.


خطفَت الطريقُ شربل سعادة قديسَ السيرِ على الأقدام. الطريقُ التي تحصدُ كلَّ سنةٍ مئات أمثال شربل ضحايا القيادة الرعناء والتفلت من القانون.


طريقٌ من دون شربل. لعلَّ عائلَته والطريق أكثر من يبكيه. موتُ شربل لن يزعجَ أحدًا. رحِمَنا الله ورحِمَ شربل وأعطانا جدائلَ مثلَ جدائلِه لتذكِّرَنا بين الفينةِ والفينةِ أنَّ القديسينَ ليسوا بالضرورةِ من يجترحونَ المعجزات ويقيمونَ الموتى. إنهم اؤلئك الذين يذكّروننا بين الفينة والفينة أنَّ المسيحَ يتجوَّلُ بيننا ويختارُ من بيننا من يشبهُه ويتشبّهُ به. إلى اللقاء شربل.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة