“ليبانون ديبايت” – ميشال قنبور
بصفتي مواطنًا لبنانيًا من الطائفة المسيحية، أجد نفسي اليوم مضطرًا إلى رفع الصوت بوضوح: لا للمناصفة في بيروت. نعم للديمقراطية.
بيروت ليست ساحةً للتمثيل الوهمي، ولا واجهةً للتكاذب الوطني. حين تُطرح المناصفة كمطلب انتخابي في العاصمة، يُطرح معها تلقائيًا سؤال أكبر: متى تصبح الديمقراطية أولوية فعلية في لبنان؟
وأين هي تلك الديمقراطية إذا كانت أقليّة تطالب بحصّة توازي الأكثريّة، فقط لإرضاء حسابات سياسية قديمة وفاشلة؟
بيروت اليوم مدينة غالبيتها الساحقة من المسلمين، ومع ذلك، لا يزال البعض يصرّ على تكبيل إرادة الناخبين فيها، عبر المطالبة بمناصفة مفتعلة في المجلس البلدي، حتى لو اقتضى الأمر تطويع القوانين أو إعادة إنتاج التوازنات على قياس أوهام سياسية من زمن ولّى.
نتحدّث في لبنان عن إلغاء الطائفية السياسية، والدولة المدنية، ودولة القانون والمؤسسات. لكن، ما إن يصل النقاش إلى انتخابات بلدية في مدينة مختلطة كالعاصمة، حتى تُرمى كل هذه المبادئ جانبًا، ويُعاد استدعاء التوازن الطائفي كخط أحمر.
هل المطلوب أن نُقنع الناخب السني البيروتي اليوم بانتخاب لائحة تضمّ من نكّل بالرئيس سعد الحريري، من التيار الوطني الحر، أو من وشا به وساهم في إنهاء مشروعه السياسي، كسمير جعجع؟ أليست القوات والتيار معًا شاركا، مباشرة أو مداورة، في إقصاء الحريرية السياسية؟
والسؤال الأهم، ماذا قدّمت القوات والتيار لسنّة وشيعة بيروت، غير العداء والمكابرة، ليُطلب اليوم التحالف معهم في انتخابات المجلس البلدي للعاصمة؟
ثم إلى من يرفع راية “حقوق المسيحيين”، نسأل: هل فعلاً القوات والتيار يخوضان معركة من أجل المسيحيين، أم من أجل أنفسهم؟ التيار، بكل وضوح، لم يعد يُجسّد إلا مصالح بيت عون وباسيل. والقوات، لم تعد ترى في المسيحيين أكثر من صورة ستريدا جعجع. هؤلاء لا يمثّلون الطائفة، بل مصالحهم، وتحالفاتهم، وأوهام زعاماتهم.
أين كانت هذه الأحزاب حين دُعي إلى تقسيم بيروت إلى 12 دائرة انتخابية، كما اقترح سابقًا خبراء ومراجع قانونية لضمان تمثيل أوسع وأعدل؟ لماذا لم يتقدّموا بأي مبادرة تشريعية تحفظ هذا التوازن الذي يتباكون عليه اليوم؟ صمتهم وتخاذلهم عن القيام بما يلزم تشريعيًا هو الطعنة الأولى في قلب ما تبقّى من مناصفة بيروت، وإن كان ثمة طرف يُلام، فهم أول من يتحمّل المسؤولية، لا الناخب المسلم.
وهذا ما يؤكّد أن المناصفة التي يُتباكى عليها اليوم هي في الأساس نتاج سياسات التيار والقوات الخاطئة بحق شركائهم في الوطن، والمسيحيون في العاصمة اليوم يدفعون وحدهم ثمن أخطاء هذين الحزبين، لا غير.
المناصفة، حين تكون ناتجة عن تفاهم حر، فهي مفهوم شريف. أما حين تُفرض قسرًا على الإرادة الشعبية، فهي تصبح قيدًا على الديمقراطية، لا ضمانة لها. وكثيرون من المسيحيين، وأنا منهم، يرفضون أن يُقاسوا على قاعدة الطائفة، بل على أساس الفكر والموقف والانتماء الوطني.
المطلوب اليوم أن تُفتح صناديق الاقتراع، ويُترك القرار للناس. من يفز، يفز. ومن يُهزم، فليراجع خطابه وتحالفاته.
وكل من يخشى الديمقراطية العدديّة، هو فعليًا يخشى الناخب، ويخشى الحقيقة، ويخشى أن تسقط صورته على قارعة صندوق.
في الجمهورية المقبلة التي نطمح إليها، لا مكان للمعادلات العقيمة. والمستقبل لا يُبنى على تقاسم المقاعد، بل على احترام إرادة الناس. وإن كانت البداية من بيروت، فلنصنع منها درسًا، لا أداة ابتزاز جديدة.