في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، عاد التحشيد العسكري الأميركي في الشرق الأوسط إلى الواجهة، مثيراً تساؤلات عدة حول أهدافه الاستراتيجية والاحتمالات التي قد تترتب عليه. وبينما تتواصل الضربات في اليمن وتتسع دائرة الاستهداف، تُطرح سيناريوهات قد تعيد رسم خريطة الاشتباك في المنطقة، وسط تحذيرات من تداعيات قد تشمل إيران والعراق.
الخبير الأمني صفاء الأعسم يرى أن تغييرات كبيرة تلوح في الأفق، قد تصل إلى تغييرات جغرافية، مشيراً إلى تحركات تهدف للوصول إلى الحدود العراقية السورية. واستشهد بتصريحات مسؤولين إسرائيليين تشير إلى إمكانية وصول إسرائيل إلى نهر الفرات وحدود العراق، في ما وصفه بأنه توغل قد يرقى إلى "شبه احتلال". وأضاف أن واشنطن قدمت قراراً لمجلس الأمن لإلغاء عضوية سوريا الدائمة، وسحب الجوازات الدبلوماسية من مسؤوليها، ما يشير إلى عزلة متزايدة لسوريا على الساحة الدولية.
وبخصوص إيران، قال الأعسم إن الولايات المتحدة منحت طهران مهلة مدتها 60 يوماً للامتثال لشروط تشمل وقف تسليح "محور المقاومة" وإنهاء الدعم اللوجستي. وتبقى نحو 40 يوماً من هذه المهلة، في وقت انسحبت بعض الفصائل الإيرانية من محافظة نينوى شمال العراق. كما أشار إلى أن الشروط الأميركية تشمل إنهاء دور فصائل المقاومة، تسليم المعدات النووية، والتخلي عن الصواريخ الفرط صوتية.
ووفق الأعسم، فإن إيران تستعد للرد، إذ صرح المرشد علي خامنئي بأن بلاده ستقاوم، محذراً من أن أي دولة تسمح لأميركا باستخدام مجالها الجوي ستكون هدفاً للضربات الإيرانية. وأكد الأعسم أن التحركات العسكرية الأميركية ليست عشوائية، بل تمهيد لضربات محتملة، مشيراً إلى التكلفة العالية لحاملات الطائرات كدليل على جدية التحركات.
وأضاف أن الفصائل العراقية التي انسحبت من نينوى تعكس التزاماً بتوجيهات الحكومة العراقية، معتبراً ذلك مؤشراً إيجابياً. لكنه حذر من أن الضغوط الاقتصادية على إيران قد تؤدي إلى اضطرابات داخلية ما لم تُحل الأزمة سلمياً، مرجحاً اندلاع حرب إقليمية في حال غياب الحلول.
من جانبه، رأى أستاذ العلاقات الدولية سعدون الساعدي أن التحشيد الأميركي يعود لأسباب عدة، أبرزها تطورات غزة وجنوب لبنان، إضافة إلى احتمال سقوط النظام السوري. وأكد أن واشنطن تهدف إلى حماية مصالحها في المنطقة، بما فيها تأمين إمدادات النفط وحماية حلفائها.
وأشار الساعدي إلى أن واشنطن تمارس ضغوطاً على إيران باستخدام العقوبات الاقتصادية والتهديد بالقوة، رغم أن سياسة ترامب تميل إلى تجنب التدخل المباشر. لكنه لم يستبعد توجيه ضربات للفصائل المسلحة في اليمن والعراق. واعتبر أن التحشيد الأميركي وسيلة ضغط على طهران، وقد تستخدم الضربة الجوية كخيار أخير في حال فشل المفاوضات.
ويعتقد أن المفاوضات المقبلة قد تكون استكشافية، وتهدف لرسم معالم التفاوض، مشيراً إلى أن واشنطن قد تعتمد على إسرائيل لتنفيذ الضربات بدلاً من التدخل المباشر. كما رجّح أن تكون الفصائل العراقية هدفاً محتملاً لأي تحرك عسكري، في ظل رغبة واشنطن بفصل إيران عن العراق واليمن.
أما السياسي العراقي انتفاض قنبر، المقرب من إدارة ترامب، فقال إن المفاوضات الحالية بين واشنطن وطهران هي الأولى على هذا المستوى، وتشبه إلى حد كبير النموذج الليبي. وأشار إلى أن مطالب واشنطن تشمل التخلي الكامل عن البرنامج النووي والصواريخ الاستراتيجية، وقطع العلاقات مع الميليشيات المسلحة، معتبراً أن هذه الشروط أكثر صرامة من تلك التي طرحت في عهد أوباما.
وأضاف أن التهديدات الأميركية جدية، مشيراً إلى وجود تجهيزات عسكرية ضخمة في قاعدة دييغو غارسيا، مثل قاذفات B2 الثقيلة، ما يعكس استعداداً حقيقياً لشن ضربات نوعية في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
من جهته، أكد عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، مثنى أمين، أن أي تصعيد بين واشنطن وطهران سينعكس على العراق، نظراً للارتباطات الأمنية المتداخلة. وشدد على ضرورة أن ينأى العراق بنفسه عن أي صراع، محذراً من أن استهداف الفصائل العراقية قد يستجلب ردود فعل تؤثر على سيادة البلاد.
وأشار إلى أن المفاوضات المقبلة لن تكون شكلية، وأن إيران قد تقدم تنازلات في اللحظات الأخيرة لتجنب المواجهة. لكنه لفت إلى أن الحراك النيابي لتجنيب العراق تداعيات التصعيد محدود الأثر في ظل انتقال الوضع إلى مرحلة التنفيذ.
واختتم المحلل السياسي نزار حيدر، من واشنطن، بالقول إن التحشيد العسكري الأميركي هدفه احتواء تداعيات حرب غزة، لكن مع وصول ترامب، توسع الانتشار العسكري في المنطقة، ليشمل الضغط على إيران. وأشار إلى اتفاق أميركي إسرائيلي لضرب البنية التحتية النووية الإيرانية، مرجحاً أن يتم التنفيذ خلال النصف الأول من العام الجاري، ما لم توافق طهران على الشروط الأميركية.
ورجّح أن تكون المفاوضات المرتقبة في عُمان جدية للغاية، وسيُطرح فيها تفكيك المشروع النووي الإيراني كشرط غير قابل للتفاوض. وختم بالقول إن الضربات العسكرية ضد إيران أصبحت وشيكة، ولن تُلغى إلا في حال رضوخ طهران للشروط الأميركية، في حين تظل الفصائل العراقية في وضع ترقّب، دون أن تكون هدفاً مباشراً في المرحلة الحالية.