عقد مجلس الوزراء جلسة ثالثة له هذا الأسبوع في السرايا الكبير برئاسة دولة رئيس مجلس وزراء نواف سلام، ومشاركة السيدات والسادة الوزراء، بغياب وزيرة البيئة تمارا الزين. استكمل المجلس دراسة مشروع قانون إصلاح وضع المصارف في لبنان وأعاد تنظيمه مادةً مادة، وعدل بعض أحكامه في اتجاه تعزيز مضمونه وفق الروحية التي صيغ بها، وأقره.
هذه هي المرة الأولى التي تقر فيها الحكومة - أي حكومة - مشروع قانون لإصلاح أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها، بحيث يكون بصيغة مشروع قانون يأتي من الحكومة حسب الأصول، وبهذا نكون قد حققنا في غضون أسابيع قليلة، أي بعد إقرار مشروع قانون رفع السرية المصرفية، رزمة إصلاحية يحتاجها لبنان واقتصاده وقطاعه المصرفي وخصوصًا المودعين، ولا سيما صغار المودعين. كما يتقاطع هذا المشروع مع متطلبات الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ومنها رفع السرية المصرفية.
تأتي هذه الخطوة لسد فراغ تشريعي قديم، حيث كانت الأحكام القانونية مجتزأة منذ تعثر بنك انترا عام 1967. هذا النص يوفر الآلية الضرورية للتصدي لأي تعثر مصرفي، مع الضمانات اللازمة لحقوق المودعين، ويوضح كيفية تحمل الخسائر، ويعيد بناء القطاع المصرفي ويمهد لإعادة دوره الائتماني في إنعاش الاقتصاد وبعث الثقة.
ستركز الحكومة، راهنًا، وبعد هذه الخطوة الأساسية وكمدخل رئيسي، على إعداد مشروع قانون لمعالجة الفجوة المالية الذي يسمح بإعادة التوازن للانتظام المالي. وكما أشرنا في الأسباب الموجبة، فإن التصدي للأزمات الاقتصادية والمالية والمصرفية التي يعاني منها لبنان، بالإضافة إلى الحفاظ على حقوق المودعين، يستوجبان خطوات تشريعية مرتبطة بثلاث إصلاحات رئيسية تتعلق بسرية المصارف، وإعادة هيكلتها، ومعالجة الفجوة المالية بما يسمح بإعادة التوازن للانتظام المالي. وبذلك، تكون الحكومة قد أقرّت في خطوة أولى مشروع قانون يرمي إلى إجراء تعديلات على قانون سرية المصارف كشرط ضروري للمحاسبة، وللمعرفة الدقيقة للفجوة المالية.
تمهيدًا لوضع مشروع قانون لمعالجة الفجوة المالية الذي يسمح بإعادة التوازن للانتظام المالي، يأتي هذا المشروع المتعلق بإصلاح وضع المصارف في لبنان كخطوة ثانية، ليضع إطارًا قانونيًا حديثًا وفق أفضل المعايير الدولية المتبعة، كان يفتقده التشريع المصرفي في لبنان وتحتاجه الحكومة، فضلاً عن مصرف لبنان، للتعامل مع الأزمات المالية كافة، وفي مقدمتها الأزمة الحالية البالغة الضرر على المواطنين اللبنانيين وعلى اقتصاد لبنان.
إضافة إلى استجابته لهذه الحاجة الملحة، فإن مشروع القانون المقترح كان وما زال محل مطالبة من أهل القانون اللبنانيين ومن المؤسسات الدولية المهتمة بمساعدة لبنان. كما قلت، ستتبع هاتين الخطوتين، وفي المستقبل القريب، خطوة ثالثة تتمثل في وضع مشروع قانون حول معالجة الفجوة المالية بما يسمح بإعادة التوازن للانتظام المالي ويسهم في انتشال لبنان من عمق الأزمة التي عرفها منذ عام 2019.
تبقى الإشارة إلى أن مشروع القانون هذا، وفي سياق تنفيذ الخطوات الثلاث المترابطة على الوجه المبين آنفًا، يعلق تنفيذه إلى حين إقرار قانون معالجة الفجوة المالية، على اعتبار أن هذا القانون الأخير يعتبر شرطًا ضروريًا لإعادة التوازن للانتظام المالي.
وقد حرص دولة رئيس مجلس وزراء نواف سلام على ضرورة توضيح الحمايات الاجتماعية التي جاء عليها مشروع القانون الذي أقريناه اليوم، لاسيما فيما يتعلق بالجدول المتعلق بتثبيت الأموال الخاصة والدائنين. وتجدر الإشارة إلى أن أموال المودعين، ولا سيما صغار المودعين، تتمتع في مشروع القانون الذي أقر اليوم بالأولوية في حماية الودائع. كما تجدر الإشارة أيضًا إلى أن الودائع في المصارف العائدة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، وصناديق التعاضد والتقاعد العائدة للقضاة والنقابات والمدارس والجامعات، والودائع العائدة لمؤسسة الجيش والقوى الأمنية مضمونة ومحفوظة.
أما بالنسبة لما أقريناه أمس حول مرسوم المساعدات للهيئات التعليمية، تجدر الإشارة إلى أن ما صدر هو تصحيح لأوضاع في داخل الأزمة المالية، يشمل:
استيعاب المساعدات التي كانت مقررة سابقًا وتم نقلها في إطار السلف وضمن موازنة 2025.
تنفيذ مساعدات اجتماعية لديها أموال مرصودة أصلاً في موازنة 2025 تحقق المساواة للقطاع التربوي مع باقي قطاعات المؤسسات العامة.
تنظيم طريقة الدفع للمستحقات في القطاع التربوي، فهذا الموضوع ليس أمرًا خارجًا عن القوانين الإطار التشريعي والتنظيمي الحاضر، هو فقط ما أشرت إليه لكي يعرف الناس أننا نطبق القوانين ولا نستحدث أمورًا جديدة، بل نحقق هذه المساواة وننفذ ما كنا أساسًا أقريناه في الموازنة فقط للتوضيح والتأكيد.
الأسئلة وردا على سؤال حول التعديلات التي أدخلت على المشروع، ولماذا أخذ النقاش بعدًا طائفيًا حول مسألة الصلاحيات؟ أجاب: لم يتم نقاش في هذا الأمر نهائيًا. لقد تم النقاش في كل مادة من الناحية التقنية المحض، وهاجسنا كان دائمًا حماية حقوق المودعين والإنصاف والعدالة في كيفية ترتيب وتوزيع الخسائر، وتفادي أي تعثرات مالية أو مصرفية قد تطرأ، لا سمح الله. فلو كان لدينا هذا النص في العام 2019، لكنا على الأقل حدَّينا من الكثير من آثار الأزمة المالية والمصرفية. ونحن منذ العام 1967 ليس لدينا هذا النص المتكامل، الذي لن يكون مكتملًا قبل الانتهاء من قانون ترميم الفجوة المالية لإعادة الانتظام المالي. ونحن سننكب فورًا على دراسة ما تبقى من هذه الجزئية التشريعية الأخيرة.
وعن نواب الحاكم الأربعة قال: "لم نتطرق لهذا الأمر، لقد أقرينا النص مع بعض التعديلات، لكن مناصب نواب الحاكم لا تزال قائمة".
وعن الجلسة المقبلة أعلن أنه "سنعمل على مشروع قانون معالجة الفجوة المالية من أجل معالجة الانتظام المالي الذي يلزمه بعض الوقت، ولن يعرض في الجلسة المقبلة، ولكن سنعمل عليه بالتوازي مع عقد الجلسة الحكومية".
وردا على سؤال قال: "لم يتم التصويت على المشروع، حصل تفاهم وتوافق بين كل الأفرقاء، لكن أبدى بعض الوزراء ملاحظات عليه".
وأضاف ردًا على سؤال: "تمنينا على المجلس النيابي الكريم، في كل ما أرسلناه له من تعديل للسرية المصرفية والمشروع الحالي، الإسراع في إقرار هذه النصوص، ولكننا لسنا في موقع أن نملي ونفرض على مجلس النواب ما سيفعل، هناك فصل للسلطات ومجلس النواب سيد نفسه، وفي ما يتعلق بالسلطة التنفيذية، لقد قمنا بواجبنا كاملاً وفي أسرع وقت ممكن".
وكان قد أقرّ مجلس الوزراء في جلسته التي انعقدت اليوم السبت، مشروع قانون "إصلاح أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها"، في خطوة تُعدّ مفصلية ضمن مسار معالجة الانهيار المالي والمصرفي المستمر منذ العام 2019، ووضع خارطة طريق لإعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي يُعدّ من أكثر القطاعات تضررًا في لبنان.
وفي تصريح خاص لموقع "ليبانون ديبايت"، قال وزير الصناعة جو عيسى الخوري إن "مهمة مجلس الوزراء في هذا الملف انتهت، والكرة باتت الآن في ملعب مجلس النواب الذي عليه مناقشة القانون وإقراره في أسرع وقت ممكن".