"ليبانون ديبايت" - باسمة عطوي
قد لا تبدو عبارة “تأجير الذهب” مألوفة على آذان اللبنانيين، لكنها استثمار منتشر عالميًا وعربيًا، ليس فقط على صعيد الدول بل أيضًا على الصعيد الفردي. وهناك العديد من الشركات في العالم والمنطقة العربية، تُقدم عروضًا سخية لمالكي الذهب من الأفراد لجذب مدخراتهم واستئجارها. في لبنان، عدا عن أن الذهب بالنسبة للبنانيين هو ملاذ آمن للادخار منذ الأزمة في العام 2019، فإن عبارة “الذهب” ترتبط أيضًا بالاحتياطي الموجود في مصرف لبنان، والذي تُقدّر قيمته بحوالى 26.39 مليار دولار أميركي في شباط 2025، مقارنة بـ25.77 مليار دولار في كانون الثاني 2025، وفق ما كشفت بيانات موقع “ceicdata”. وقد تصاعد الحديث عن إمكانية استثماره أو بيع جزء منه، منذ اندلاع الأزمة المالية والاقتصادية في العام 2019 كأحد الحلول لسد الفجوة المالية التي تبلغ نحو 76 مليار دولار، أو لإعادة جزء من أموال المودعين. وقد علت الاعتراضات على هذا الاقتراح، في حين أن اقتراح “تأجير الذهب” لقي آذانًا صاغية مؤخرًا، على اعتبار أنه يمكن أن يشكل جزءًا من حل أزمة المودعين من دون المساس بالثروة الوطنية التي هي ملك لجميع اللبنانيين.
اليوم، وبعد تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان وانتظام عمل المؤسسات الدستورية، يبدو هذا الخيار جديرًا بالنقاش، لجهة مفاعيله الإيجابية والسلبية على لبنان، وللبحث عن الآلية الأفضل التي يجب أن يتم وفقها، لحفظ الحقوق الوطنية. شماس: محاذير يجب أخذها بعين الاعتبار يُجيب الخبير الاقتصادي غسان شماس موقع “ليبانون ديبايت” بالقول: “هناك ثلاث نقاط يجب أخذها بعين الاعتبار عند تأجير الذهب، وهي: هل المستأجر يمكنه دفع التزاماته المالية لقاء تأجيره المعدن الأصفر؟ وهل يمكنه رد الكمية المُستأجرة بعد انتهاء مدة الإيجار؟ والثالث، وهو الأهم، أنه عندما يتم تأجير الذهب يصبح سلعة عادية قابلة للحجز، بمعنى أنه إذا كان هناك طرف معين (دولة أو شركة أو شخص) لديه إشكال قضائي مع الدولة اللبنانية، يمكنه حجز الأموال المتأتية من تأجير الذهب، وهذا أمر حساس جدًا”.
ولفت إلى أنه “صحيح أن الذهب هو ملك الدولة اللبنانية ولا يمكن حجز أملاك الدول لأنه يتحول إلى امتياز، ولكن هذا الامتياز يُلغى بعد التأجير ويُصبح بالإمكان الحجز على الأموال المتأتية من هذا التأجير، في حال كان هناك طرف ثالث لديه ديون على الدولة اللبنانية كحاملي سندات اليوروبوند مثلًا”. يوضح شماس معطى آخر يتعلق بتأجير الذهب، وهو قيمة المردود من التأجير، ويعطي مثالًا على ذلك: أنه “إذا تم تأجير الذهب إلى بلد تصنيفه الائتماني مرتفع (A أو AAA) مثل أستراليا أو ألمانيا، فإن مردود الإيجار سيكون منخفضًا لأن المخاطر المُرافقة لهذا الاستئجار متدنية، ولا مصلحة للبنان بذلك”. وشرح أنه “إذا تم تأجيره إلى بلد تصنيفه الائتماني منخفض، فمردود الإيجار سيكون مرتفعًا يصل إلى 13 بالمئة من قيمة الذهب”، ويسأل: “النقطة الأهم: هل يمكن ضمان أن يكون هذا الذهب خارج إطار إجراءات قانونية تُرفع من قبل حاملي سندات اليوروبوند على الدولة اللبنانية؟ وهل يمكن ضمان عدم الحجز على الإيجار؟ وثالثًا، والأهم: ما هي الضمانات التي يمكن أخذها من الدولة التي سيتم تأجيرها الذهب لكي تُعيده إلى لبنان عند انتهاء العقد؟”.
في المقابل، يشير شماس إلى “إمكانية تأجير الذهب لمصارف عالمية أيضًا”، ويقول: “لنفترض أننا نملك 286 طنًا، يمكن تأجير قسم منهم لأحد المصارف العالمية، لمدة زمنية معينة وعلى نسبة فوائد معينة خلال العام، ولكن مهما كان المصرف ذو مكانة مالية وعالمية جيدة وصلبة، لا يمكن الضمان بألا يتعرض لأزمة، وهذا ما حصل مع LEHMAN BROTHERS BANK في العام 2008، الذي انهار خلال 3 أيام. وهنا يجب إنجاز بوليصة تأمين mega insurance الخاصة بالودائع، والتي تعقدها الدول، لكن المردود المالي للإيجار عندها سيتقلص”. صندوق خاص بأموال الذهب ماذا عن الأموال التي ستتأتى من قيمة التأجير؟ هل يمكن إنشاء صندوق خاص بها، أو إيداعها في صندوق استرداد الودائع المزمع إنشاؤه مثلًا؟ يُجيب شماس: “وضع هذه الأموال في صندوق خاص، فهذا أمر أستبعده جدًا لسببين: الأول تقني، لأن ثلثي الذهب غير موجود في لبنان بل في الولايات المتحدة الأميركية، ولذلك يجب تأسيس صندوق للمردود المالي يكون ثلثيه في الولايات المتحدة والثلث الآخر في لبنان. والسبب الثاني هو: من سيدير هذا الذهب وعائداته؟ هناك اقتراحات بأن تكون الإدارة بأيدي خبراء أجانب، وهذا أمر غير منطقي، لأنه ما هي الضمانات ألا يكون لهؤلاء الخبراء، والدول التي تقف وراءهم، مصالح وأجندات خاصة على حساب المصلحة اللبنانية؟ بالإضافة إلى أن الخوف من إدارة الذهب في لبنان هو غياب الشفافية اللازمة، خصوصًا أننا لا نزال نعيش في ظل المحاصصة الطائفية والمذهبية”.
والسؤال الذي يُطرح هنا: هل هناك أشكال أخرى لاستثمار الذهب بعيدًا عن الإيجار؟ يُجيب شماس: “نعم، يمكن وضعه كضمانة على دين يتم اقتراضه من الخارج، لكن هذه الضمانة ليست على رأس المال، أي الذهب، بل على مردود الأموال التي تم اقتراضها بواسطة البنك الدولي. وأهم خطوة يمكن اتخاذها هي أن يتم هذا التعاطي مع الذهب من خلال صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، كي نضمن ألا تكون هناك محاولات احتيالية تتم على حساب الشعب اللبناني”. ويختم: “كل هذه الإجراءات تحتاج إلى قانون في مجلس النواب، لأن الإيجار يستلزم ضريبة وكلفة لنقله وصيانته، وهذا يتطلب مبالغ مالية معينة، ما يعني أنه يحتاج إلى تشريع في مجلس النواب، لأن القانون اللبناني ينص على أن الذهب هو ثروة وطنية تخص جميع المواطنين”.