"ليبانون ديبايت" - المحرر السياسي
لم يعد السؤال عن طبيعة “كلنا إرادة” مجرّد جدل سياسي، بل أصبح ضرورة وطنية. فمن يتابع أداء هذه الجمعية التي رفعت شعار الإصلاح والتغيير، لا بد أن يقف متسائلاً: لماذا هذا التركيز الحصري والمريب على القطاع المصرفي؟ ولماذا يتم تجاهل الفساد العميق الذي ينخر مؤسسات الدولة اللبنانية من رأسها إلى أخمص قدميها؟
في بلد تنهشه الأزمات من كل الجهات، ويعيش انهياراً شبه كامل في بنيته السياسية والاقتصادية والقضائية، تبدو الأولويات واضحة لأي جهة إصلاحية حقيقية. غير أن “كلنا إرادة” اختارت أن تغض الطرف عن ملفات مثل الكهرباء، الجمارك، القضاء، الصفقات العمومية، الرواتب الوهمية، التهريب، الزبائنية، التوظيف السياسي، وتفرّغت فقط لـ”مهمة واحدة”: شيطنة القطاع المصرفي واستهدافه بشراسة لا مثيل لها.
سؤال لا بد من طرحه: لماذا المصارف فقط؟
لماذا هذا التركيز الحاد والمستمر على المصارف دون غيرها؟ ولماذا يُختصر كل فشل الدولة اللبنانية، بعين “كلنا إرادة”، في هذا القطاع فقط؟ لماذا لم نرَ للجمعية أي موقف جدي أو حملة منظمة ضد الفساد في الوزارات، أو المحاصصة في التعيينات، أو تهريب المال العام؟
هذه الأسئلة تقودنا إلى استنتاج واضح: الاستهداف ليس بريئاً.
خلف الستار: مشروع السيطرة لا الإصلاح
إن هذا التركيز الانتقائي يكشف ما حاولت “كلنا إرادة” طويلاً إخفاءه: مشروعها لا يقوم على الإصلاح بقدر ما يسعى للسيطرة على مفاصل النظام المالي، تمهيداً لإعادة تشكيله وفق مصالح خارجية. فكل حملاتها ضد المصارف، التي قد تبدو للوهلة الأولى “ثورية” أو “شعبوية”، ليست إلا محاولات ممنهجة لضرب الثقة بهذا القطاع، وصولاً إلى تفكيكه والسيطرة عليه عبر أدوات جديدة، يُعتقد أنها مدعومة من جهات تمويلية أجنبية.
من يمول؟ ولماذا؟
مصادر مطلعة تشير إلى أن الحملة المستمرة ضد المصارف تحظى بدعم من جمعيات دولية لها مصالح مباشرة في إعادة هيكلة القطاع المالي اللبناني، بما يسمح لها بالاستثمار في أنقاضه لاحقاً. وهذا يفسر سبب انصراف “كلنا إرادة” عن أي إصلاح فعلي لمؤسسات الدولة الأخرى، واهتمامها الحصري بهذا القطاع بالذات.
اليوم… دور “الضحية” لضمان الاستمرارية
وفي خطوة جديدة تكشف هشاشة بنيانها، قررت “كلنا إرادة” وأدواتها الإعلامية الفاقعة والممولة منها ومن الجهات الراعية لها، أن تتقمص اليوم دور “الضحية”. وكأنها تقول: “أنا ضحية، إذاً أنا موجود”، في محاولة بائسة لتأمين استمرارية الوجود والدعم بعد سلسلة من الإخفاقات.
لكن هذا البكاء الإعلامي لا يخفي سوى الفشل الذريع في كل الملفات التي أُسندت إلى “كلنا إرادة”، من الحوكمة إلى الإعلام، ومن الحاكمية إلى العمل البلدي. حتى الجمعيات التي أُنشئت كأذرع تنفيذية لهذا المشروع، فشلت فشلاً تاماً في تحقيق الأهداف التي تم تمويلها من أجلها، مما يدل على خلل بنيوي لا يمكن تغطيته بـدموع الضحية المفترضة.
حرية الإعلام؟ أم حرية التمويل؟
ومن يتحدث عن حرية الإعلام ويدّعي الدفاع عنها، عليه أولاً أن يكون صادقاً مع نفسه ويكشف عن مصادر تمويله. فالحرية الإعلامية لا تعني حرية الافتراء والتلفيق، ولا يمكن لمن يُموّل من جهات أجنبية لتنفيذ أجندات سياسية واقتصادية مشبوهة أن يتحدث عن الصحافة النزيهة.
فحرية التمويل الخارجي، تحت ستار العمل الإعلامي أو الإصلاحي، ليست سوى وجه آخر من أوجه العمالة، لا علاقة لها لا بالمهنية الصحفية ولا بالمصلحة الوطنية. ومن هنا، فإن من يدّعي الاستقلالية والشفافية، عليه أن يواجه الرأي العام بالحقيقة: من أين يأتي بالمال؟ ولأجل من يعمل؟
خلاصة: حين يصبح الشعار سلاحاً
“كلنا إرادة” لم تعد حركة تغيير، بل باتت أشبه بأداة تنفيذية في مشروع أكبر يُراد فرضه على لبنان. مشروع يرتدي قناع الإصلاح ليمرّر مصالح لا تمت بصلة للمصلحة الوطنية. ومن هنا، فإن واجب كل لبناني اليوم أن يسأل، وأن يرفض أن يُخدَع بشعارات لا تغطي سوى طموحات مشبوهة للاستحواذ على ما تبقّى من لبنان، بحجة “الإنقاذ”.