أعلن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، خلال مؤتمر صحافي عقده في بنما، أنّ قرار تفسير إعادة نشر قاذفات "بي-2" مؤخراً على أنه رسالة موجهة إلى إيران يعود لطهران نفسها، مؤكداً أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تزال متمسكة بالخيار السلمي في التعامل مع الملف النووي الإيراني.
وجاء تصريح هيغسيث عقب تقارير أفادت بنقل ما يصل إلى ست قاذفات أميركية من طراز "بي-2" إلى قاعدة دييغو غارسيا العسكرية، الواقعة في المحيط الهندي والتي تُدار بشكل مشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وذلك خلال آذار الماضي، بالتزامن مع التصعيد العسكري الأميركي في اليمن وتزايد التوترات مع طهران.
وأوضح هيغسيث قائلاً: "إنها أصول استراتيجية عظيمة... ورسالتها موجهة للجميع"، مضيفًا: "الرئيس ترامب كان واضحاً... لا ينبغي لإيران امتلاك سلاح نووي، ونحن نأمل بشدة - والرئيس يركز على تحقيق ذلك عبر الحلول السلمية".
ورداً على سؤال مباشر بشأن ما إذا كانت هذه الخطوة العسكرية تستهدف إيران بشكل خاص، قال: "سنترك لهم التقرير"، في إشارة إلى أن الرسالة المضمرة من الانتشار العسكري قد تُقرأ من زوايا متعددة، لكنّ القرار في النهاية بيد طهران.
ويُذكر أنّ سلاح الجو الأميركي يمتلك فقط 20 قاذفة من طراز "بي-2 سبيريت"، ما يجعل استخدامها مقصوراً على المهام ذات الطابع الاستراتيجي أو الرمزي العالي، نظراً لقدراتها التكنولوجية المتقدمة في التخفي، وقابليتها لحمل أضخم القنابل النووية والتقليدية في الترسانة الأميركية، ومنها القنبلة الخارقة للتحصينات "GBU-57".
تأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه العلاقات بين واشنطن وطهران توتراً متجدداً، خاصة في ظل تعثر المفاوضات غير المباشرة بشأن العودة إلى الاتفاق النووي الموقّع عام 2015. وكانت إيران قد أكدت مؤخراً أنها باتت تمتلك القدرة التقنية على تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 80%، وهي نسبة تقترب من العتبة العسكرية.
ويُشار إلى أنّ قاعدة دييغو غارسيا تُستخدم تقليدياً كمنصة انطلاق لعمليات استراتيجية في الشرق الأوسط، وقد استُخدمت في السابق خلال حربَي أفغانستان والعراق، كما تم نشر قاذفات من الطراز نفسه فيها عام 2020 بعد اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني، في خطوة فسّرها مراقبون آنذاك بأنها "ردع استباقي".
من جهتها، تحذّر طهران من "أي مغامرة عسكرية أميركية"، مؤكدة أنّ أي تهديد لأمنها القومي سيقابل بـ"رد واسع النطاق"، في حين تبذل دول مثل قطر وسلطنة عمان جهود وساطة لاستئناف قنوات التواصل بين الطرفين.
وفي سياق متصل، أكد هيغسيث أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب مع الصين، لكنها ستتحرك بـ"حزم" لمواجهة ما وصفه بـ"التهديدات الصينية" المتزايدة في القارة الأميركية، في وقت باتت فيه قناة بنما ساحة جديدة للصراع الاستراتيجي بين واشنطن وبكين.
وفي تصريحات له من العاصمة البنمية في اليوم الثاني من زيارته، قال هيغسيث: "نحن لا نسعى إلى حرب مع الصين. ولكن، معاً، علينا أن نتجنب الحرب من خلال احتواء تهديدات الصين في هذه المنطقة بشكل صلب وقوي".
وأضاف: "علينا أن ندرك حجم التهديد الذي تشكله الصين على بلداننا وشعوبنا، وعلى السلام في هذه المنطقة".
واتهم هيغسيث الصين بـ"استغلال البنى التحتية الحيوية" في دول أميركا اللاتينية، قائلاً إن شركات صينية تستحوذ على أراض ومنشآت استراتيجية في قطاعات حساسة كـالطاقة والاتصالات، ما يشكل تهديدًا أمنيًا مباشرًا للمصالح الأميركية.
كما أشار إلى أن الجيش الصيني بات موجودًا على نطاق واسع في نصف الكرة الغربي، حيث "يستغل منشآت عسكرية وموارد وطنية وأراضٍ محلية لتغذية طموحاته العسكرية العالمية"، وفق تعبيره.
وتحدث أيضًا عن أساطيل الصيد الصناعية الصينية، التي قال إنها "تسرق الغذاء من دولنا وشعوبنا"، في إشارة إلى الانتقادات المتكررة لسلوكيات هذه الأساطيل في المحيط الهادئ وأميركا الجنوبية.
في لهجة تصعيدية واضحة، شدد هيغسيث على أن إدارة الرئيس دونالد ترامب "لن تسمح بأن يكون للصين نفوذ على قناة بنما"، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة "ستستعيدها من النفوذ الصيني".
وقال: "نعمل بشكل وثيق مع شركائنا في بنما لضمان أمن القناة وتعزيز مصالحنا الأمنية المشتركة. معًا، نستعيدها من النفوذ الصيني".
في المقابل، أعلنت الحكومة البنمية أن الولايات المتحدة اعترفت رسميًا بسيادتها على قناة بنما، بعد توقيع اتفاقات ثنائية جديدة لتعزيز التعاون الأمني وتكثيف التدريبات العسكرية الأميركية على أراضيها.
ونشرت بنما نسخة من البيان المشترك مع الولايات المتحدة باللغة الإسبانية، جاء فيها:"بالإضافة إلى ذلك، اعترف الوزير هيغسيث بقيادة بنما وسيادتها غير القابلة للتصرف على قناة بنما والمناطق المتاخمة لها"، وهي جملة لم تُدرج في النسخة الرسمية الصادرة عن البنتاغون باللغة الإنكليزية.
وردًا على سؤال عن ذلك، قال هيغسيث: "ندرك بالتأكيد أن قناة بنما تقع في بنما، وحماية السيادة البنمية من النفوذ الخبيث أمر مهم".
وأضاف: "ولهذا، حين يقول الرئيس ترامب إننا سنستعيد قناة بنما من النفوذ الصيني، فهذا يتطلب شراكة مع بنما، ونحن ممتنون لأنهم رحبوا بقواتنا على أراضيهم للمشاركة في تدريبات دورية مشتركة".
من جانبه، قال وزير الأمن العام في بنما فرانك أبريغو إن بلاده "لن تسمح بوجود قواعد عسكرية دائمة"، مؤكدًا أن الوزير الأميركي "اعترف بسيادة بنما على قناة بنما" خلال اجتماع مغلق.
تمثل قناة بنما أحد أبرز الممرات البحرية الاستراتيجية عالميًا، وتربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ. وقد شيدتها الولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين قبل أن تسلمها إلى بنما عام 1999.
لكن في السنوات الأخيرة، تزايد النفوذ الصيني في البنية التحتية والمرافئ المحيطة بالقناة، وهو ما تعتبره واشنطن تهديدًا لمصالحها الاستراتيجية، خاصة في ظل صراع أوسع بين القوتين حول النفوذ في أميركا اللاتينية، والتكنولوجيا، والتبادل العسكري.
ويعكس التصعيد في بنما توسع الجبهة الجيوسياسية بين واشنطن وبكين من بحر الصين الجنوبي إلى أميركا الوسطى، في ما يعتبره محللون عودة لسياسات "الحديقة الخلفية" التي لطالما تبنّتها الإدارات الأميركية السابقة تجاه أميركا اللاتينية.