منذ تسلّمه حقيبة وزارة التنمية الإدارية في شباط الماضي ضمن التشكيلة الأولى لحكومة العهد برئاسة الرئيس نواف سلام، يطلق الوزير فادي مكي خطة عمل طموحة ترتكز على ثلاثة محاور أساسية، منطلقاً من الإيمان بأن "الإدارة هي استمرارية"، ومعتبراً أن التغيير المنشود لا يبدأ من الصفر بل يبنى على تراكم السياسات والخبرات السابقة.
وشدّد مكي في حديث إلى صحيفة "الأنباء" على أنّ الإستراتيجية الوطنية التي أقرّت في العام 2022 لا تزال صالحة، بل تشكّل الأساس الذي تنطلق منه خطة الوزارة الجديدة، والتي لا تُعنى فقط بالإصلاح بمفهومه الضيق بل بـ"تنمية وتحديث الإدارة"، على حد تعبيره.
ويعود تاريخ ورش العمل الإدارية في لبنان إلى العام 1959، حين أطلق الرئيس الراحل فؤاد شهاب أولى الخطوات لتحديث الإدارة اللبنانية عبر تأسيس مجلس الخدمة المدنية وهيئات الرقابة. غير أنّ تلك المبادرة، ورغم أهميتها التأسيسية، لم تتبعها خطوات شاملة على المدى الطويل.
في العام 1994، أُنشئت وزارة مخصصة للإصلاح الإداري، تحوّلت لاحقاً إلى وزارة التنمية الإدارية. لكن المسار ظلّ متعثّراً، تخلّلته محاولات جزئية وتأسيس لبعض الهيئات، من دون خطة شاملة تؤطر عملية الإصلاح.
اليوم، يضع الوزير مكي هذا الإرث في خلفية عمله، معتبراً أنّ الإدارة ليست غائبة، بل بحاجة إلى تطوير القدرات، وتحقيق التحديث في آليات العمل، وتحسين الحوكمة.
المحور الأول في خطة العمل الجديدة يتناول تحديث الإدارة العامة عبر إطلاق آليات جديدة للتعيينات في وظائف الفئة الأولى، انطلاقاً من اعتماد منهجية شفافة أقرّها مجلس الوزراء حديثاً.
وبحسب مكي، فإن مجلس الإنماء والإعمار سيكون أول المستفيدين من هذه المنهجية الجديدة، حيث سيتم تعيين رئيس المجلس ونائبيه والأمين العام وأعضاء مجلس الإدارة غير المتفرغين، وذلك بعد مراجعة دقيقة لأوراق المرشحين. ومن المتوقع إنجاز هذه التعيينات خلال أسبوعين.
وسيشمل المسار ذاته لاحقاً تشكيل الهيئات الناظمة لقطاعات الاتصالات والكهرباء والطيران المدني وإدارة قطاع البترول، إضافة إلى مجلس إدارة تلفزيون لبنان. وأكّد مكي أن لهذه الهيئات أولوية قصوى في مشروع التحديث الإداري.
أمّا المحور الثاني، فيركّز على التحول الرقمي، والذي يعدّه الوزير مكي عنصراً أساسياً في عملية الإصلاح الإداري. وقال إن "الاتجاهات الحديثة لا تفصل بين الرقمنة والإصلاح"، مشيراً إلى أنّ الإستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي التي أقرت في العام 2022، تدخل اليوم حيّز التنفيذ من خلال خطة تنفيذية تمتد على خمس سنوات.
الهدف، بحسب مكي، هو إحداث نقلة نوعية في طريقة تقديم الخدمات العامة، وخفض التكاليف، وتسهيل المعاملات، وتمكين المواطن من الوصول إلى الخدمات بطريقة شفافة وسهلة.
والمحور الثالث في خطة العمل يتمحور حول مكافحة الفساد، والتي لا يمكن فصلها عن إعادة هيكلة الإدارة العامة، والرقمنة، وتبسيط الإجراءات.
وكشف مكي عن إطلاق إستراتيجية وطنية جديدة لمكافحة الفساد تغطي الفترة الممتدة من 2025 إلى 2030، مكملةً للإستراتيجية السابقة (2020 - 2025). وأوضح أن الرهان هو على تحقيق توازن بين الإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي كمسارات مترابطة ومتوازية، تشكل الإطار الشامل لأي عملية إنقاذية شاملة.
وفي ختام حديثه، عبّر الوزير مكي عن أمله في أن يكون عهد الرئيس جوزاف عون مرحلة مفصلية لتحديث شامل في الإدارة العامة، وتطوير مفهوم الخدمة العامة، وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة داخل الوزارات والمؤسسات، ما ينسجم مع شعار الحكومة: "الإصلاح والإنقاذ".