"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
عندما زارت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، بيروت الأسبوع الماضي، اعتقد كثيرون أنها جاءت لطرح خطة على المسؤولين تهدف إلى تفكيك ما تبقى من سلاح حزب الله، ضمن جدول زمني محدد وتحت ضغط عسكري وسياسي متصاعد. إلا أن الواقع كان مغايراً، إذ كشفت زيارتها عن مقاربة أميركية أشمل، تتمثل في تفكيك "سلاح الميليشيات المسلحة على كامل الأراضي اللبنانية"، بحسب التوصيف المستخدم من قبلها، أي أنها لم تقصد فقط حزب الله.
ما طرحته أورتاغوس لم يستثنِ قوى لبنانية أو غير لبنانية، حليفة لحزب الله أو خصمة له، معلومة على أي حال سواء من قبل الإدارة الأميركية أو الأجهزة اللبنانية، ما تزال تحتفظ بسلاح تحت عنوان “السلاح الفردي”، في مشهد يبدو أنه بات موضع مراجعة أميركية جدية.
في المقابل، يرى البعض في الداخل اللبناني أن واشنطن تبالغ في طرحها فكرة “نزع سلاح الميليشيات”، نظراً لحقيقة أن هذا السلاح لا يزال يُستخدم كأداة تأثير سياسي، أو كأداة ضغط في اللحظات السياسية الحرجة، وسبق لقوى أن إستخدمته في الداخل تحت حجج متنوعة مغطاة بما درج على تسميته "أهالي المناطق"، كما سبق لواشنطن نفسها أن دعمت، من خلف الكواليس ومن منطلق المصلحة، خطوات كهذه. ومن هذه الزاوية، يعتبر هؤلاء أن السلاح لا يزال أداة ضرورية لتحريك الواقع السياسي اللبناني، لا سيما أن واشنطن –أو المجتمع الدولي- لم تطالب يوماً بشكل مباشر بتجريده بالكامل، لأنهت تدرك أهميته ولطالما اعتُبر من مستلزمات فرض “التوازنات الداخلية”، شرط ألا يمسّ إسرائيل.
لكن اليوم، ومع التحولات الجارية، يقرأ مراقبون أن طرح أورتاغوس لم يكن يستهدف أكثر من إظهار نوايا واشنطن "الإصلاحية" في ما خص الملفات اللبنانية، بالاضافة إلى فتح النقاش يستهدف في الأصل تفكيك سلاح المخيمات الفلسطينية، استكمالًا لمسار "نزع سلاح الحزب"، لا سيما مع توثيق ضلوع هذا السلاح في تنفيذ عمليات عسكرية وإطلاق صواريخ من الجنوب إبان فترة التصعيد بين العدو والمقاومة.
في الرؤية الأميركية، يعتبر السلاح الذي تمتلكه فصائل مثل “حماس”، “الجهاد الإسلامي”، “الجبهة الشعبية” و”الديمقراطية” وغيرها، تهديداً مباشراً لإسرائيل، رغم أن استخدامه في الداخل اللبناني كان محدوداً. في المقابل، إرتبط سلاح حركة “فتح” وذراعها العسكرية الرسمية "الكفاح المسلح"، منذ ما بعد عام 1982 بما يسمى "حفظ أمن المخيمات"، لكنه في الأساس إرتبط في ضبط توازن القوى الهش داخلها، لا أكثر.
في أعقاب أحداث 7 أكتوبر، ومع تصاعد الحرب على قطاع غزة، عاد السلاح الفلسطيني إلى الواجهة، حيث سُجّلت مشاركات ميدانية عسكرية لمجموعات تتبع لـ"حماس" و "الجهاد". وبالتوازي ظهرت مشاركات لـ"الجماعة الإسلامية" التي يبدو أنها تطوّرت عسكرياً تحت جناح "حماس" ورعاية "الحزب"، ما إعتبر أن السلاح الفلسطيني ذو الخلفية الإسلامية، يقدم مساهمة واضحة في تعزيز حضور تيارات سُنية يمكن لها أن تتمدد داخل بيئاتها، ما أثار خشية داخلية وايضاً سُنية من إستنساخ تجرية حزب الله.
في السياق ذاته، أظهرت مرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان ضعفاً واضحاً في الموقف الرسمي اللبناني، الذي فقد الكثير من قدرته على الصمود السياسي. ففي السابق، كان العديد من المسؤولين يستندون إلى قوة حزب الله لمواجهة الضغوط الأميركية أو رفض اتفاقات يشتم منها محاولات لتسويق التطبيع، وغالباً كان يعمل على الإلتفاف عنها أو إعادة هندستها بما يتوافق والسياسات اللبنانية. لكن اليوم بات الخطاب الرسمي أكثر ليونة، وينتابه الضعف الشديد والعجز على المواجهة، وبات إنفتاحياً بشكل غير مقبول على خيارات كانت مرفوضة في السابق، مثل السماح لقوات اليونيفيل بحرية الحركة في الجنوب والدخول إلى أماكن غير مدرجة في التفاهمات السابقة، أو الدخول في نقاش علني حول سلاح المخيمات.
في هذا الإطار، ظهر موقف واضح من الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام، اللذين عبّرا صراحة عن دعم فكرة نزع السلاح الفلسطيني من المخيمات، وسط صمت لافت من رئيس مجلس النواب نبيه بري. وبحسب معلومات متداولة، فإن ملف السلاح في المخيمات يُبحث حالياً مع السلطة الفلسطينية في رام الله، وجرى إعداد تصور من قبل الجيش اللبناني حول آلية التنفيذ بالتعاون مع الفصائل والسلطة في آن.
وكان من المتوقع أن يزور الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) لبنان لبحث هذا الملف إلى جانب قضايا أخرى مشتركة، في ظل اقتناع فلسطيني متزايد بأن هذا السلاح فقد قيمته الاستراتيجية، لا سيما بعد الحرب الأخيرة، حيث برزت مقاربة جديدة تعتبر أن بقاء هذا السلاح لم يعد له ما يبرره بل قد يكون عنصر تفجير دائم داخل المخيمات. لكن عُدل عنها بسبب التطورات في غزة، مع المحافظة على قنوات التواصل قائمة.
في ضوء المتغيرات، بدأت الدولة اللبنانية تتعاطى مع الملف بمرونة لافتة. فالرئيسان جوزاف عون ونواف سلام لا يُخفِيان نيتهم السير بخطة متدرجة لتفكيك السلاح داخل المخيمات، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية طبعاً، فيما سبق لعون أن باع موقفاً إلى واشنطن بتأكيد أن الجيش إستطاع تفكيك 6 مخيمات تعود لفصائل فلسطينية تقع في شمال الليطاني، في إشارة إلى "فتح الإنتفاضة" و "الجبهة الشعبية – القيادة العامة" بعد التنسيق معها.
عمليًا، يبدو أن الفصائل الفلسطينية أُبلغت بجديّة القرار، وأن العمل على الأرض بدأ فعلياً. ويُرجّح أن حزب الله لم يعد في موقع الدفاع عن سلاح المخيمات كما في السابق، إذ يركّز اليوم على حماية سلاحه وإعادة ترتيب وضعه الداخلي والتفرغ لوضع بيئته، ما يفتح المجال أمام تحوّل في المشهد.
وتعزّز هذا التوجه وقائع ميدانية، من بينها التحقيقات في حوادث إطلاق الصواريخ الأخيرة من الجنوب، والتي تُشير بأغلبها إلى ضلوع عناصر فلسطينية من داخل المخيمات، ما يزيد من الضغوط لتسريع معالجة الملف.
كما أن العثور على صاروخين قديمين في منطقة القليلة – قضاء صور، بالأمس، وهي منطقة سبق استخدامها لإطلاق صواريخ من قبل مجموعات فلسطينية، يعكس استمرار المخاطر، حتى لو لم تكن هناك نوايا فورية للتصعيد.